أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
حفظت الشريط المسجل لفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى عن ظهر قلب، بعد واقعة فريدة الشوباشى التى اتهمته فى وطنيته، وأعلنت أنها لا تحبه، وأن سجود شكره لله لهزيمة مصر هو فى حقيقته سجود لانتصار اسرائيل، وهى الفرصة الذهبية التى جاءت على طبق من ذهب لكل كاره للشعراوى، لكل من مثل الشعراوى له انتصارا للإسلام بحجة بليغة واستنارة عالية وقبول جماهيرى غير مسبوق، ولم يكن شيخنا الجليل إلا موجزا فى قضية كبيرة جدا، فقد قال أنه : “سجد لله شكرا لأننا لم ننتصر ونحن فى أحضان الشيوعية لأننا لو نصرنا ونحن فى أحضانها لفتنا فى ديننا” ، ترك الرجل لنا قراءة ما بين سطور عبارته التى لم تختلف عن منطقه فى تفسيرات سابقة له، فقد قال نفس الشىء عن هزيمة المسلمين فى غزوة أحد “لو أن المسلمين انتصروا في غزوة أحد لقال المنافقون خالفناه وانتصرنا، ولسقطت مكانة الرسول وهيبته”.
إن الهزيمة ستبقى هزيمة، ألمها لا يمكن إغفاله، لكن المعنى واحد، قد نقبل بالدروس القاسية حتى لا نعود لأخطائنا التى تسببت بها أبدا، سنشكر الله على أن الدرس الذى جرحنا فى صميم القلب جرحا بليغا أعادنا أقوى ، جعلنا نبتهل له ونتضرع ونعود إلى طريقه لينصرنا نصرا عزيزا مؤزرا من عنده، وهو تماما ما حدث فى بدر التى تشدقنا كثيرا بأن حرب أكتوبر تشبهها، فهل كانت القضية فقط هى أحضان روسيا الشيوعية، أم أنها قصة مجتمع بكامله كان يعيش نكسته الداخلية، التى أدت إلى هزيمته على يد عدو فى معركة دفع فيها جنودنا الأبطال ثمن عربدة قادة تفرغوا لكل شىء إلا معركة وشيكة، كانت كل النذر تشير إلى وقوعها؟
الستينات، وما أدراك ما الستينات! ، إن من يتهم الشعراوى عليه بنفس المنطق المعوج ان يحاكم نجيب محفوظ كاتب “ثرثرة فوق النيل” ، هل تذكرون هذا الفيلم الذى كشف كم كان المجتمع منحلا متفسخا؟! ، هل تذكرون مشهد عماد حمدى وهو يسير هائما على وجهه فى الطرقات مرددا ” الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا”؟ ، إن الفلاحة التى كانت رمزا لمصر قال عنها نجيب محفوظ أنها ماتت!، لم يقتلها الشعراوى بسجدة شكره، بل تمنى لها الحياة ، تمنى ألا يقتلوها ألف مرة من جديد لأنهم حادوا عن طريق الحق، لم يهزم الشعراوى مصر ولم يكن سببا فى هزيمتها أو سببا للطمنا الخدود بعد الهزيمة، ولم يسجد لنصر اسرائيل ، فلم يكن الرجل يوما بكل الأدلة والشرائط المسجلة إلا كارها لذلك العدو ، فرجال الله يحبون فى الله ويكرهون فى الله، سجد الشعراوى كما تشكر الله وأنت تتمزق لرسوب ابنك الذى تحلل من كل قيد بدخوله الجامعة وظن أن النجاح فيها فهلوة وغش ، ليعى الدرس فى العام التالى ويفهم أنه كان على خطأ وأن الحياة جد واجتهاد، سجد الشيخ سجود العارف بالله، الموقن من نصره إذا ما عدنا إلى طريقه، وهل ما حدث كان غير ذلك؟!، وهل كان شعار الله أكبر إلا قوة جبارة دفعت إلى أعمال لا يمكن أن يصدق بشر جسارة من كانت تلك الكلمة فى قلوبهم قبل ألسنتهم ، وهل كان النصر دائما أبدا إلا من عند الله؟