أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
كتبت – نفيسة عبد الفتاح
تظل الكتابة الإنسانية عابرة للأزمنة والأمكنة،ويظل توهج الحرف بحرارة التجربة وصدقها مفتاحا سحريا لقلوب المتلقين، هكذا منحتنا الكاتبة جيهان حسين ديوانا من ذلك النوع الذى ما أن نقرأ أبياته حتى نتساءل: بلسان من تكتب تلك الشاعرة ؟!، فهي تنطلق من الخاص الى العام لتكتب بلسان كل المهزومات،المانحات، الخاسرات، الحالمات، لكنها تقرر ألا تغلق باب التجارب على الفشل والألم، فمازالت دائما هناك فرصة للأمل والحب الذى لا تكفر به رغم قسوة ومرارة تجربتها؛ حتى وان نطقت بهذا الأمل قصائد معدودة منها: “جراح تجميل الأيام”، “صوت نفسك”، ففي القصيدة الثانية تؤكد على تلك العلاقة الأزلية بين المرأة والرجل فتقول: وصوت نفسك بكل الصدق يخدعني.. يرجعني.. لبدء الخلق والتكوين.. لنطفة بعدها علقة.. وبعديها أكون مضغة.. وعضمي وهو متكسر..فى حضنك يتكسي لحمه .. واتشكل كأحلى جنين..
وفى تلك الأبيات التى تنضح برومانسية كاتبتها تتجلى أيضا قدرتها على التشكيل واختيار الصور بدقة اضافة الى الصور الكلية، كما تفصح الأبيات والديوان بشكل عام عن شاعرة تكتب بتلقائية ودون تكلف لكنها تمتلك أدواتها وفنيات الكتابة جيدا .
ولعل نهايات القصائد التى تحيلنا الى القصيدة “القصة” ولحظة التنوير فى النص الدرامى هى أحد مميزات قصائد ديوان ” شهرزادك” الصادر عن دار يسطرون، ففي قصيدتها” آخر ليلة”: قربت من الصورة امسكها.. نزفت مر..اتهزت فى ايديا ثواني..البنت عيونها بتندهلي .. وإيديا بتكسر فى إزاز..البنت لقيتها بتضحكلي..قالت شكرا.. حررتينى من البرواز.
وفى قصيدتها ” انفجار”: نجمى أنا وصل نهاية رحلته..يئس خلاص من وحدته.. سمعنى آخر كلمته..صوت انفجار.
وفي قصيدة “البنت الشرقية”:ملهوفة على حضن يساعها..وفى عز النار مابتلسعها.. تتباهى وتقول أنا شمعة..وتموت فى الآخر مطفية.
وتجسد قصيدة ” حاضر” مأساة امرأة تقدم تنازلاتها ليبقى الحبيب الذى لا وقت لديه لها، والذى يشكل كل عالمها رغم قرارها بالمغادرة، وهى قصيدة موجعة أجادت فيها الشاعرة تصوير مشاعرها وضعفها وقسوة الذكريات على الروح وفيها تقول:آه كنت هانسى .. امسح كلامك اللى مكتوب ع البيبان ..ألا يجرح اللى تيجى تعيش هنا.. فى نفس المكان..وابقى حاسب وانت ماشي ..لاحسن تدوس على حتة من روحى اللى مبدورة هنا بين الشقوق.
تترواح قصائد الديوان مابين الطويلة والقصيرة والقصائد القصيرة جدا وهى قصائد اختتمت بها الشاعرة ديوانها من أربعة أو خمسة أو ستة أبيات، حيث الصورة الشعرية المكثفة ” ياعقرب الثواني.. موش هاتبطل فحيح.. ماشي بسكينة تلمة.. طب سمي ع الدبيح” واللقطات المثيرة للتأمل “كما فى نص فلسفة” والأمنيات الصعبة ، وتختتم الشاعرة نصوصها بومضة شعرية تلخص حالة ” الكتابة .. هى دى سلاحى الوحيد ..ضد الكآبة” .
قدم للديوان الشاعر الكبير أحمد سويلم الذى أكد فى مقدمته أنه من حفز الشاعرة على جمع قصائدها، مشيرا الى أن الشاعرة انطلقت للأمام تخرج طاقتها الإبداعية فى كل اتجاه وتحتضن العالم وتأمل فى صنع واقع أفضل رافضة الاستسلام والانتحار النفسى.
“العامية” التى نظمت بها الشاعرة أبيات قصائدها التى يمكننا الإنصات إلى موسيقاها، لم تخلو من بعض المفردات الفصيحة التى تكاملت مع رقى العامية التى استطاعت أن تقدم لنا الشاعرة من خلالها كل فنون البلاغة، بل واستطاعت توظيف الطقوس الدينية فى بعض نصوصها، كما قدمت الشاعرة مدينتها” الوطن” أرض الذكريات التى عشقتها فى قصيدة ” أيووه با اسكندرية” وهو أمر بمثابة اعلان هوية وبطاقة تعارف قدمتهما الشاعرة لقارئها فى لقائها الأول به كشاعرة حيث عرفها القارىء كواحدة من كتاب جريدة الأسبوع المصرية المميزين.