يقول أستاذنا الكاتب والناقد والفنان الكبير أبو الحسن سلام ” المسرح نافذة لإظهار البراعة الفنية ، وليس مجرد وسيلة لعرض أفكار ” .
ومن تلك الجملة ننطلق نحو مسرح الهناجر لنستمتع بتلك البراعة الفنية من خلال عرض ( مركب بلا صياد ) تأليف (أليخاندروا كاسونا) .. دراماتورج وإخراج عمرو قابيل والبطولة للفنانات .. راندا .. ومنحة زيتون .. ومي رضا والفنانين عمرو قابيل ..هاني عبد الناصر ..إبراهيم فرح .. محمد فتحي .
وللحديث عن هذا العرض يجب أن نقول الكثير .. الكثير مما يخص هذا النص المترجم والذي قام بترجمته محمود علي مكي .. وسبق أن تم تحويله لفيلم مصري بعنوان ( اختفاء جعفر المصري ) وعلى حسب المعلومات البسيطة فهو أنتج 2002وقد أخرجه للسينما عادل الأعصر .. سيناريو وحوار لبسيوني عثمان .. دون الإشارة لمؤلفه (أليخاندروا كاسونا) على “تترات” الفيلم كما كان يحدث قديما عندما نأخذ عن أو نمصر أو نستلهم أي شيئ يقول أن أصل الفكرة مقتبس !!
الفيلم بطولة حسين فهمي ونور الشريف ورغدة .. ورغم أنهم قامات فنية كبيرة .. إلا أنه فشل في الوصول إلي على كل المستويات الفنية .. ربما لأنهم أضافوا الكثير من التتبيلة المصرية والتي لا تتناسب مع روح النص المترجم والذي يحكي قصة لها فكرة ومضمون كان يجب أن تصل بكل بساطة وبقمة الفن .. والفيلم من وجهة نظري خلا من الأثنين .
وعندما شاءت الصدفة الجميلة التي ساقتنا للهناجر دون ترتيب أنا وصديقتي الكاتبة ميرفت بكر .. فوجدنا ديكورالمركب وكان الصياد هو تلك الوجوه التي على البانر خلف المركب لفنانيين نعرفهم في أعمال أخرى .. عيونهم نادتني فسألت شريكتي في النزهة هل ندخل ؟! ولأننا نعشق الفن الحقيقي ولنا مع الهناجر والمركز الفني ذكريات لعروض سكنت أرواحنا قررنا الدخول على أن نخرج لو لم يعجبنا العرض .. ومزحنا مع موظف الهناجر هل لنا أن نسترد ثمن تذاكرنا فضحك وقال لا بل تدفعون أكثر .
دخلنا وساءني قلة الجمهور وخشيت أن نكون قد راهنا على الحصان الخاسر وتضيع النزهة التي نرتب لها كل شهر .. ولكنني قررت أن أخوض التجربة وبعد قليل بدأت أكتشف خدعة فيلم (اختفاء جعفر المصري) فرغم أنني مؤلفة مسرحية وناقدة إلا أنني لم أكن قد قرأت نص (أليخاندروا كاسونا) قبل ذلك .. فقلت لابد من أن يكون لدينا الأمانة التي تجعلنا نحترم حق الملكية الفكرية كالسابق .. ففي القديم كان ينسب الفكر لأهله وبعد سن قوانيين الملكية الفكرية ضاعت الحقوق .
الحقيقة أنني خفت أن يصيبني ملل الفيلم وبدأت أتململ في جلستي ولكنني أحترم كل من يقفوا على خشبة المسرح فهم أقوياء وشجعان .. يواجهون الجمهور بفنهم ويحصلون على التقدير أو الرفض من فورهم .. فقررت أن أتربص بالنص إما للمتعة وإما للنقد .. راقبت الديكور الذي أعده وركبه الفنان محمد زكريا بمهارة وروعة وفكر فنان مرن ومبهر .. فكان الديكور معبرا عن بيئة النص دافئا يحتوينا في بيئة مختلفة فلم نسقط في الفجوة بين الشرقي والغربي البارد عما تعودناه .. ثم راقبت الملابس فحالنا في مصر بائس والإنتاج فقير في مسارح الدولة لكن الفنانة ريم شاهين تمكنت منا بتصميماتها البسيطة الموحية والتي نفذتها عزة عبد الرحيم بجودة ودقة وأحترام .. فكثيرا ما يصعب علي الفنان ونستاء من ملابسه في بعض العروض من عدم أمانة المنفذ لتلك التصاميم .. وتابعت بقية عناصر العرض من إضاءة قام بها بفن كبير محمد عبد المحسن فكانت موظفة بشكل جيد .. ثم الموسيقى تأليف وتلحين حازم الكفراوي وتوزيع أحمد حامد .. كل هذه المفردات التي قام بلضمها الفنان الجميل عمرو قابيل ليخرجها لنا في قالب من المتعة الفنية الحقيقية غير الزائفة .. ولم يغفل أن يبرز أفكار النص وروحه بمهارة عالية .. هذا النص الذي أشرف بأن أدعوا الشباب ليتعلموا منه قيمة العمل وضرورته .. وبأن ما يأتي سريعا دون تعب يذهب سريعا وبأن الشيطان الذي جسده بجمال شديد الفنان هاني عبد الناصر والذي هو فكرة كبيرة جدا يدخل تحت عباءتها الإهمال وموت الضمير والجشع والإستغلال والخيانة ونسيان الله والثواب والعقاب .. وكذلك فكرة كيف تخرب الأوطان عن طريق بعض الأعمال ( ككيونيت وغيرها)التي تسربها الماسونية والصهيونية للأوطان العربية لتخريب إقتصادها ولتجر إليها الشباب لمكاسب مضمونة وخسارة أيضا مضمونة فيكون صيدهم سهلا ميسرا لبيع أوطانهم لأجل المال ..فهو التحليق بلا أجنحة والسقوط السريع بلا أرض تتلقفك .. أعجبني أيضا فكرة المغفرة التي تبث لنفوس المشاهدين ببساطة دون تقعر من البطلة الملائكية راندا .. أعجبنتي الجدة منحة زيتون بهذه البساطة والقدرة على الإضحاك بيسر محترفة جميلة لا ترغب في إبتزاز المتفرج فتتجاوز الحوار أو تغازل الجمهور تلقائية عالية وإبهار .. أعجبني جدا دور الشيطان حتى أنني مازحت هاني عبد الناصر قائلة سأحب الشيطان لأجلك فقال :سامحني يا رب .
أنه الفن الراقي حين يتجاوز كل المعوقات .. حين يطل إليك من وسط القبح ليقول لك بكل هدوء نحن هنا .. مازلنا هنا نقاوم لأجلك أيها المشاهد العظيم .. نحن هنا نعطي للمسرح قبلة أخيرة عله يفيق .. نحن هنا فتعالى إلينا نقاوم معا حالة من القبح والإزدراء نعيشها ممن خانوا هذا الوطن النبيل ليضخوا لجيوبهم حفنة دولارات .
العرض الذي شاهدناه كان رائعا .. وختام العرض أو الفينالة وتحية الجمهور كانت مبهرة وذكية فهى تخطف الجمهور من مقعد المشاهد لخشبة المسرح حيث يصبح الجميع جزءا من العرض وليس هذا فقط بل لروح الفريق الجميل الدافئ هناك تقليد رائع ليته يصبح سنتهم في كل عمل بأن يأتي كل يوم أحدهم بالعشاء ويرفع على خشبة المسرح ويتشارك الجمهور والفريق لقمة عيش وملح أو عيش وبصارة وبصل وليمون مخلل فكان أطعم عرض تذوقته .. وأدعوكم للذهاب للمتعة لا للعشاء .
تحية محبة لكل من شارك في العرض الجميل .. وتقديرا للفنان محمد الدسوقي المدير العام لمركز الهناجر للفنون لأنه مازال يقاوم معنا .. شكرا لفريق العمل خلف الخشبة أحمد فرحات المخرج المساعدوالفوتوغرافيا.. وإنجي إسكندر المخرج المنفذ .. أيمن غالي دعاية وعبد الرحمن الحصري لإدارة المسرحية .

https://www.facebook.com/noses1989/ العطر فى أنقى صورة.. أفضل ثبات وفوحان ..noses عـطور أونلاين ستغير فكرتك عن تركيب العطور.. تستحق التجربة