الرسالة (3) : د. رضا شحاتة يكتب: المرئي واللامرئي .. فى بيت سعد الخادم .

الرسالة (3) : د. رضا شحاتة يكتب: المرئي واللامرئي .. فى بيت سعد الخادم .

الرسالة (3) : د. رضا شحاتة يكتب: المرئي واللامرئي .. فى بيت سعد الخادم .

التعليقات على الرسالة (3) : د. رضا شحاتة يكتب: المرئي واللامرئي .. فى بيت سعد الخادم . مغلقة

البيت هو الكون الصغير .. والبيوت لها شخصيات تشبه أرواح قاطنيها .. وبيت سعد الخادم هو حالة إنسانية برزخية يمتزج فيها المرئى واللامرئى .. الظاهر بالباطن .. الروحانى بالمادى يقول الشاعر النمساوى راينر ماريا ريلكه : البيت قطعة المرج .. يا ضوء المساء .. فجأة تكتسب وجهاً يكاد يكون إنسانياً .. أنت قريب منا للغاية تعانقنا ونعانقك.
يا صديقى لا تندهش !! بيت سعد الخادم سيتحدث معك كما لو أنك جالس معه .. وحين يتكلم فصوته يحررك من الزمن وتفاجأ بأن العالم يتسع والحياة تمتد لتسمع فيها أصداء الزمن البعيد.

أكتب : ………………………………
عن بيت سعد الخادم من هذا المنظور الإنسانى لأننى بكل بساطة أريد أن أُعزز المحبة والشوق فى القلوب تجاه هذا الرجل المتصوف الزاهد ، المفرط فى الكرم معنا.هذا الشيخ المعلم الذى يكسب تلاميذه المعرفة عن طريق المجاهدة والصبر والكشف عبر ثقافة الحياة . وعندما نتحدث عن علاقتنا الحميمة مع بيت سعد الخادم . أسأل .. كم من الحكايات قيلت في هذه المنزل لم تروي، وكم قصة فريدة لهذا الرجل تحفظها الذاكرة وتقاوم النسيان ؟

أوثق : ……………………………….
سأوثق هذا البيت القاهرى الجميل الذى استحوذ على مشاعرنا فى 12 شارع الكريم بحى الزيتون .. فهذا البيت النائم فى الأحلام اشترته والدة سعد الخادم نعمت هانم عام 1944 وهو نفس العام الذي أهدي فيه الملك فاروق زوجته, إبنة اخيها صافيناز التى لقبت بالملكة فريدة “السراي الكبير” وكتبه باسم الطاهرة تيمناً وتعبيراً عن حياتها الطاهرة التقية الشريفة . وأعتقد أن نعمت هانم اشترت هذه الفيلا الصغيرة التي نرى من شرفتها السور الخارجى للقصر لتكون بالقرب من الملكة فريدة إبنة خال سعد الخادم .. يوسف ذو الفقار باشا. ولسبب لا أعرفه لم تقطن العائلة هذه الفيلا الصغيرة إلا بعد وفاة نعمت هانم في 21 مارس 1948م . وبعد عقد قران سعد الخادم علي عفت ناجي في 14 أكتوبر 1954م. تزوج سعد الخادم فيها واتخذها بيتاً للحياة الزوجية.

أسأل : ………………………………..
س: هل يمقدور الكلمة أن تعيد بناء الأشياء؟
اسمحوا لي أن أحكى عن البيت الذى عاش فيه سعد الخادم وعاش فينا ومعنا ثلاثين عاماً تنفسنا فيه عبق التاريخ وسمعنا فيه أجمل الحكايات فى الفن والحياة.
سأحكي بالكلمات محاولاً إعادة تشييد هذه الفيلا الصغيرة عبر الخيال . فعند الفقد للأشياء , يلجأ الإنسان إلي الذاكرة للتصور. والآن أستطيع أن أغمض عينى واستعيد صورة هذا البيت المسكون بالذكريات .. والذى أذهب إليه مترجلاً من محطة مترو سراي القبة متجهاً إلي قصر الطاهرة، ثم شارع سليم الأول، وأنعرج منه يميناً إلي شارع صغير اسمه الكريم.

أسير: …………………………………
فى هذ الشارع الجانبى الصغير الذى لا يخلو من بعض المارة . وأمام شجرة عتيقة ضخمة من فصيلة “البومباكس” زهورها حمراء كبيرة.. أتوقف أمام فيلا جافة المظهر .. أسقفها عالية وشرفاتها طويلة .. وملامح شكلها الخارجي لا توحي لنا بأي شيء غير عادى . فهي أقرب ما تكون إلي المباني “الكوزوموبليناتة” المنتشرة في أحياء ا لقاهرة.

أطرق : ……………………………….
الباب الحديدي الصغير الجانبي لدخول الأفراد ، أطرق عليه بشدة منادياً .. يا عم ابراهيم .. يطول الزمن. وبعد فترة يطل من النافذة رجل قمحى اللون هادئ الملامح ليتأكد من شخصية الطارق. ينظر إلينا ملوحاً بيده ، وينزل يفتح الباب لنا مرحباً ومبتسماً .. يغلق الباب وصرير الحديد يشعرك بتأثير الزمن المفقود. وتبدأ سمفونية الضوء والظل المترجرج على الأرض من ظلال الأغصان و نسير مسافة صغيرة ما بين الباب الخارجي ، وباب الفيلا الداخلي .. في هدوء وصمت ، يقطعه أصوات زقزقات العصافير الصغيرة.

أتخيل : ………………………………..
عندما أدخل من الباب الطويل للفيلا .. يشكل ما بين الداخل والخارج في نفسي انقساماً حاداً .. المكان يجبرك علي الحلم والخيال فنشعر بالنعاس . الضوء في فيلا سعد الخادم خافت فتحلق في نور حميم .. وعبر جدرانها السميكة يأتيك الصمت الطويل. أتذكر دكة الجلوس في بداية المدخل ، وعند صعود الدرج الأبيض للسلم الطويل يتدلي فانوس شعبي دقيق الصنع كبير. حين تصل إلي الدور العلوي تشعر بالألفة والحميمية . وعندما تدخل يتدفق عليك نهراً من الإحساس العظيم بالتواضع . الطلاء قديم ، والأثاث الموجود في المكان بسيط إلى حد التجريد.
البيوت الحقيقية في الذاكرة لا تمنح نفسها للوصف بسهولة يا صديقى فالغرف لها شخصيات تشبه قاطنيها ، وفى هذا المقام سوف أقرأ لكم ما تقوله حجرة واحدة هى حجرة الاستقبال من خلال الاستعارة والكناية والمجاز, وهذه الحجرة التي تحولت فيها الأبعاد الهندسية الإقليدية إلي أبعاد هندسية حيوية تأخذك إلي حالة من زمان الحلم والفوضي المنظمة ، الواقع فيها يتحول إلي وجوداً شبحياً في الذاكرة. غرفة الجلوس هذه مكان غير عادي الفراغ فيها مزدحم بأصداء التحف والأشياء القديمة التي تمنحك طاقة البدء لتعيش زماناً آخر وتاريخاً من الوجود الجديد.

أتصور : ………………………………
غرفة الاستقبال في هذا المنزل وكأنها تبدو متحف صغير. فالإضاءة فيها صفراء خافتة تمنحك المناخ للاسترخاء والاستغراق في حالة من الخدر والحلم , يرسلها إليك عالم الأشياء الغريبة المحيطة بك . فى هذه الغرفة تسكن بداخلك حاله برزخية من الزمن ودرجة من الخيال بين الواقع واللا واقع.
في هذه الغرفة المتحف “الإنثوغرافي” الصغير يجمع سعد الخادم ثروة الوجود المتخيل .. مقتنيات ذات طابع إنساني.. تمائم وقطع أثرية من الأمشاط والعرائس العاج .. قالب خشبي لعروس المولد .. شريط لصندوق الدنيا يحكى قصة أبو زيد الهلالى .. أحجبة ومخطوطات وكتب فى الطلاسم والسحر .. “نورج” تحول إلي أريكة خشبية للجلوس .. مجموعة من طاسات الخضة النحاسية .. قوالب وبصمات طباعة خشبية بزخارف شعبية للمنسوجات فى العصر المملوكى ..أختام جمارك نبطية للحدود من الخشب عليها صور وكتابات محفور .. كوة في الحائط ممتلئة بالرسائل العلمية .. أواني وصواني معدنية نادرة .. صندوق للعروسة به ملابس قديمة ترجع للعصر الطولوتى .. كليم أسيوطي شعبى .. قطع من الصيرما التركي .. أباجورة عمودية يتدلي على تاجها عروسة لخيال الظل التركى ” قراقوز” تمثال إفريقى يحمل طاقة سحرية , قطعة أثرية من نسيج القباطي بين دفتي كتاب .. صندوق صغير يحتفظ فيه بقطع عملة رومانية أثرية .. قطعة من التلي الأسيوطى ترجع إلى بداية القرن العشرين ، كيس من مطرزات سيناء .. طائر متحرك من الألعاب الشعبية .. دولاب من الخشب الثمين مملوء بالكتب والمخطوطات القديمة .. طاولة في منتصف الحجرة مزدحمة بعاديات صغيرة، عرائس ومشغولات حرفية خشبية ومعدنية دقيقة.. وفى مكان آخر تماثيل للعب الأطفال وأواني شعبية من الفخار.. إبريق السبوع .. وعلي الجدار.. أعمال من الحفر علي الخشب لسعد الخادم موزعة على الحائط “قصعة” إفريقية بزخارف تنقيطية محفورة , رليف خشبى لحيوان. كل شيء فنى فى هذه الغرفة الأثيرة إلى نفسى يحمل معه صوتية وجوده .. فتستطيع أن تسمع وأنت جالس فيها الهمهمات اللانهائية لإيقاع الصانع الفنان الذي منح هذا الأشكال طاقة البدء في الحياة.

أعتقد : …………………………………
يا صديقى أن هذا الرجل الذي جمع في منزله كل هذا الكم الكبير من المشغولات الحرفية حوله ، كان يعى أهمية الوعي بالروح والوجود الإنساني الذي يتزمن في هذه الأشياء. سعد الخادم كان يعايش السر الحميم للكون ليقرأ اللامرئي، والمعني الحقيقيى الخفي داخل الأشياء . والمشغولة الفنية من وجهة نظره هي المعنى الذى ينتج شكلاً .. يتجسد فيه هذا الإيقاع الذى ينبض بالروح الإنساني علي هيئة خطوط ومساحات وألوان. ويفيض بالمدلولات البصرية . إنه الرنين العاطفي والضوء الداخلي والأثر المتبقى فى الشكل الذي نلتقي به عند مشاهدتنا له، فنردده لنتملكه ، فيبعث فينا إيقاع الحياة ووحدة الوجود.

أتفلسف : ……………………………….
كان سعد الخادم من وجهة نظرى يسعى إلى فن كونى يحترم فيه كل الاختلافات وجميع الهويات الثقافية ، وكان ينظر إلى الفن الحقيقى على أنه كشف واستبصار وفعل حياة وأنه ليس ثمة عمل فنى حى إذ لم يتجدد .. فهو ميت . وكان سعد الخادم يدرك أنه لا يمكن عبور النهر مرتين . فالعالم يتغير باستمرار ولذلك فهو يبحث وينقب فى الأعماق عن توجهات البنية للمشغولات الفننية وديناميتها فى إنتاج المعني عبر عملية الصياغة والسيطرة للفنان علي الخامات والوسائط المادية ، وهذه الرؤية فى التفكيك تضعف قدرة الأعمال الفنية التقليدية علي مقاومة التغيير عبر الكشف عن طلاسم أشكالها وسر بنيتها . ومن ثم سر تحولها ، وعليه يتم التحرر من سلطانها علينا .
كان سعد الخادم يتجذر داخل التراث لكى يتجاوزه حاملاً معه كل نفيس فيه .. وبذلك يتم الاشتباك مرة أخري معه في زمان ومكان وظروف جديدة وفق شروط المبدع بدون قدسية وبدون تبجيل لهذا الموروث الفنى. سعد الخادم كان يعلم إن أكثر الفنانين ارتباطا بتراثهم هم أكثرهم تمرداً عليه ، وأكثرهم أحتراماً له هو أقلهم خضوعاً له.
سعد الخادم كان يحلم بأنسنة هذا التراث والامتداد به نحو الحياة والواقع المعاش ، من أجل النمو والتكاثر من جديد مثل الكائن الحى. عبر عملية تفاعل وهجنة واشتباك مع الشرق والغرب ، هذا هو مشروع الخادم الفكرى الذى كان يهدف ويسعى من أجل توليد فن عالمي معاصر مرتبط بالهوية الوطنية يفتح أفق لهذا الإرث لتصنيع تاريخ إنساني جديد في الإبداع فاعل ومرتبط بهذه المنطقة من العالم.

أتذكر : …………………………………
في غرفة الاستقبال المزدحمة بالأشياء الإنسانية .. يوجد “أنتريه” وثير ومريح أخضر فاتح. أتذكر سعد الخادم مضطجعاً علي الكنبة كعادته في هذه الحجرة،.
أيها البيت العتيق هل تتذكر الحكايات؟.
حكاية (1) : أتذكر وأنا أطلب منه تسجيل سيرة حياته الذاتية ، فيبتسم ويتهمني بالعبط ! أضحك وأتحدث إليه .. تنفرج أساريره ويبدأ بالحكي عن تاريخ والدة الذى فقده وهو فى سن الرابعة عشر . هذا الأب كان واحداً من أطباء الملك فاروق هذا الأب الذي كان فى يوم ما يأوي ثوار ثورة 1919م في عيادته بميدان الفلكي . ويتوالى السرد والحكي عن والدة الثوري الوطنى الذي كان يصنع في معمل العيادة قنابل صغيرة للثوار .. وتنفجر واحدة منها، ويبتر أحد أصابعه. حكايات وحكايات !
حكاية (2) : أتذكر وأنا أروى له الحكايات الغريبة عن القطط الطوافة والتحذير من إيذائها فى قريتى “تل بسطة” التى كان اسمها قديماً بالفرعونية “بر بستيت” . وهى مكان لعبادة القطط السوداء أحكى عن أرواح الأطفال التى تتلبس القطط فى المساء وغيرها من حكايات الفولكلور الشعبى .ويأتى قط زوجته عفت ناجى الأرستقراطى ” لولو” متكاسلاً فى هذه الأثناء يتمسح فى قدمى ويتثاءب ويذهب ليغفو حيث يرتاح بين قدمي سعد الخادم.
حكاية (3): أتذكر كيف تملكنى إحساس بالخوف وهو يحضر لى كوب من الماء ويطلب منى أن أقرأ عليه مرة واحدة رسالة الماجستير ، وفى النهاية وبعد أكثر من ساعة توقف الكلام ، وساد الصمت وهو يبتسم و يأمرني مبتهجاً وبلغته العامية التى تتغلغل فى مفاصل كلماته ، أطبع الرسالة يا رضا بدون تعديل.
بيت سعد الخادم يعرف خطواتي ويتذكرني ويسألني في دهشة هل مات سعد الخادم؟ وأقول له كما قال نزار قبانى فى رثاء والده : أمات أبوك ؟ ضلال أن لا يموت أبي .. ففي البيت منه روائح رب .. وذكري نبي .. بقاياه في الحجرات الفساح.

أعترف : ……………………………….
أن علاقتى بالأستاذة عفت نجى كانت عابرة ولا أتذكر علي وجه اليقين المرة الأولي التي رأيتها فى هذا البيت فهى كثيرة الأسفار وكانت تفضل الاستقرار فى فيلا “أمبرون” بمحرم بيه بالأسكندرية ، ولكن علاقتي توطدت بها بعد رحيل أستاذي سعد الخادم . كنت أسأل عليها وسط العزلة التي كانت تعيش فيها بالقاهرة ، وهي كانت تطلبنى بالتليفون من أجل شراء الألوان لها أو السؤال على المعاش .. كانت تستدعينى لنعد ونحضر لإصدار كتابى “سعد الخادم المربي رائد الفنون الشعبية” بعد رحيله ، والذى خرج إلى النور وطبع فى 21 مارس 1991م. فكنا ننتقى الصور ونقرأ الوثائق التى ستنشر فى الكتاب ، وفى وقت آخر كنا نحضر لعملية إنشاء المتحف. بعد أن كتبت هى إسمى فى اللجنة المختصة بذلك .. عفت ناجى تعرف أننى تلميذ زوجها المدلل والأهوج المتمرد وهو فى خريف العمر فكانت تحكى عن زوجها وخصوصية علاقته بالفن والحياة. وكنت افتخر دائماً بأنني واحد من القلة التي تثق بهم هذه السيدة فى الحياة . وخاصة أنها إنسانة تملك مشاعر ضريرة تجاه الناس فهى كالعدالة معصوبة العينين ، لا تعرف المجاملة ، أحكامها قاسية .. وكلماتها صريحة إلى درجة الإحراج . تشبه أمطار الصيف التي تأتي فجأة وتنتهي فجأة.

أتعجب : …………………………………
كنت مندهش من مقدرتها على تذكر أسماء أولادى وأعمارهم والأحداث التى مرت بهم ! ولما سألتها عن ذلك وما هو سر هذه الذاكرة القوية التى تملكها قالت يا رضا .. أنا أمرأة عجوز فى السابعة والتمانين من العمر يا عزيزى أنا أكتب مذكرات وملاحظات صغيرة عنك بجوار رقم تليفونك في الأجندة . ضحكت .. الأسئلة تتدافع عن مسارات العمر، والذكريات مع هذه السيدة الفاضلة تمضى .. وخلاصة الأمر .. عفت ناجى كانت إنسانة مخلصة وفية لتاريخ زوجها ، أمينة على تراثه. ذلك الزوج التى عاشت حياتها بجواره تستمد منه القوة والمشورة ويجمع بينهما حب المعرفة والإبداع والعمل الدؤوب.

أكــــره : …………………………………
سأطلق العنان لنفسى وأذكر أننى أكره شرب الشاى مع الأستاذة عفت ناجى بسبب الطقوس الكثيرة المصاحبة له والبروتوكولات الدقيقة المنظمة للجلسة وفى كل مرة أريد أن أبوح لها بذلك فتخوننى الشجاعة وأجد نفسى على ترابيزة خشبية كلاسكية الطراز تحمل صينيه من النحاس عتيقة , ومع الملاعق الفضية الطويلة ، وأكواب البيشة الزجاجية الصغيرة الملتبسة بقواعد من الفضة. والبراد الخزفى العتيق وماسك مكعبات السكر الأثرى . وعلب السراميك الكثيرة التى لا أرى لها فائده . والمنـــاديل التركية المطرزة . والكراسى الخشبية القديمة والخواتم الفضية الكبيرة التى تلبسها فى كلتا يديها , ومع رائحة التاريخ فى المكان .. ومع كلماتها العربية التي أحياناً لا أفهم تركيب الجمل فيها . كنت أشرب ببطئ مثلها ، وأشكرها فى النهاية على الشاى الجميل.

أحكى : ………………………………….
نجد أنفسنا فى حاجة إلى النصيحة .. طلبت من عفت ناجى المشورة فى فكرة السفر وجاء الرد سريعاً الغربة لها ثمن ولكن سافر يا رضا ؟ وينتهى الحديث ونزلت من عندها الضوء خافت على سلم الفيلا الطويل مضيت للبيت سائراً على الرصيف وصوت أحذية المارة خلفى واضحة .. وحلم الإعداد للسفر خارج الوطن فى بداية التسعينيات يجول فى خاطرى وصدا صوت عفت ناجى فى أذنى وكأنها تقول لى أرحل ففى هذا الوطن لا يوجد ثمة أطلال لكى نبكى عليها .. أرحل ففى هذه البلد لا يوجد شئ يستحق البقاء. وفي الغربة وأنا بعيداً عن الوطن في صباح الإثنين الموافق الثالث من أكتوبر عام 1994م. عرفت من الإعلام خبر وفاتها وصعدت روح عفت ناجى إلي السماء .. رحمة الله عليها، والفاتحة على روحها الكريمة تركت للوطن الذى أحبته ثروة من المقتنيات التي لا تقدر بثمن. ووهبت منزلها بالزيتون للحكومة المصرية لإنشاء متحف لزوجها ولها.

أرثى ……………………………………
وحشة الذكريات تدفعنى .. بالرثاء وبالبكاء علي الأطلال كما تعود القدماء فى بداية قصائدهم ، وها أنا أنهى رسالتى بكلمات الشاعر إبراهيم ناجى حيث يقول:
يَـا فُؤَادِي لَا تَسَلْ أَيْنَ ٱلْهَوَى .. كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى .. اِسْقِنِي وَٱشْرَبْ عَلَى أَطْلَالِهِ .. وَٱرْوِ عَنِّي طَالَمَا ٱلدَّمْعُ رَوَى .. كَيْفَ ذَاكَ ٱلْحُبُّ أَمْسَى خَبَرًا .. وَحَدِيثًا مِنْ أَحَادِيثِ ٱلْجَوَى.
وأخيراً .. العزيزة عفت ناجي .. وأبى سعد الخادم. هل أقول لكما سلاماً أم أقول لكما وداعاً ؟ أنتم أكبر من السلام ومن الوداع .. وسعادتي أنني عشت جزءاً من تكويني بينكم في زمن الكبار .. وفى هذا البيت القابع فى الأحلام.

دكتور : رضـا شحـاته أبو المجــد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة المنشورة مع الرسالة لفيلا سعد الخادم 12 شارع الكريم بجوار قصر الطاهرة قبل تحويلها إلى متحف.

https://www.facebook.com/noses1989/ العطر فى أنقى صورة.. أفضل ثبات وفوحان ..noses عـطور أونلاين ستغير فكرتك عن تركيب العطور.. تستحق التجربة
Related Posts

فوزية مهران ..ترانيم التوحيد ولغة القرآن ..عندما تكون الكتابة صلاة

التعليقات على فوزية مهران ..ترانيم التوحيد ولغة القرآن ..عندما تكون الكتابة صلاة مغلقة

تأبين الروائي الراحل صبري موسى بقاعة كاتب وكتاب شهدت قاعة كاتب وكتاب

التعليقات على تأبين الروائي الراحل صبري موسى بقاعة كاتب وكتاب شهدت قاعة كاتب وكتاب مغلقة

حسن غريب يكتب: أهم الملامح الفنية والجمالية في ديوان (بدون تصريح ) للشاعرة إيمان معاذ

التعليقات على حسن غريب يكتب: أهم الملامح الفنية والجمالية في ديوان (بدون تصريح ) للشاعرة إيمان معاذ مغلقة

بينهم امرأة واحدة.. أهم 10 كتاب فى الأدب الصينى الحديث

التعليقات على بينهم امرأة واحدة.. أهم 10 كتاب فى الأدب الصينى الحديث مغلقة

بالفيديو: بمبادرة شخصية”ترك” طبيبة مصرية تلف المحافظات للتوعية ضد كورونا

التعليقات على بالفيديو: بمبادرة شخصية”ترك” طبيبة مصرية تلف المحافظات للتوعية ضد كورونا مغلقة

وفاة صاحب (قلم رصاص) .. حمدى قنديل الإعلامى الذى أطلق برامج النقد السياسي

التعليقات على وفاة صاحب (قلم رصاص) .. حمدى قنديل الإعلامى الذى أطلق برامج النقد السياسي مغلقة

الكاتبة الكبيرة فوزية مهران تتعرض لأزمة صحية

التعليقات على الكاتبة الكبيرة فوزية مهران تتعرض لأزمة صحية مغلقة

وزير الثقافة: يحيي حقي ظاهرة فريدة في الثقافة ويعكس عبقرية مصر

التعليقات على وزير الثقافة: يحيي حقي ظاهرة فريدة في الثقافة ويعكس عبقرية مصر مغلقة

محمد كمال صاحب ” جنة الإبداع ” : الوجدان الشعبى خط دفاعنا الأول ..فهل تتدخل الحكومة لإنقاذه؟!

التعليقات على محمد كمال صاحب ” جنة الإبداع ” : الوجدان الشعبى خط دفاعنا الأول ..فهل تتدخل الحكومة لإنقاذه؟! مغلقة

فؤاد طمان يطوي أشرعة الشعر عن عمر ناهز 77 عاما

التعليقات على فؤاد طمان يطوي أشرعة الشعر عن عمر ناهز 77 عاما مغلقة

محمد البنا يكتب: “الزماوجدانية” وأثرها في اللغة الشعرية ل/ محمد مطر

التعليقات على محمد البنا يكتب: “الزماوجدانية” وأثرها في اللغة الشعرية ل/ محمد مطر مغلقة

Create Account



Log In Your Account