أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
حينما نقرأُ المجموعة القصصية (سيدةُ الجبن) نجد أنفسَنا أمامَ مجموعةٍ من الأُقصوصاتِ القصيرةِ، والقصيرةِ جداً، وإذا تأمَّلْنا أكثرَ نجدُ أنها مخصصةٌ لنصفٍ واحدٍ فقط مِن نصفَي المجتمع المصري والعربي، وهو (النساءُ فقط)، كما هو مبيَّن تحت العنوان مباشرةً، هذا النِّصْفُ الرَّديفُ هو الصِّنْفُ اللَّطيفُ المستهدَفُ من هذه الأوجاع التي ظهرت آهاتُها للقارئ على غلاف الكتاب قبل أن يَسْبِر غَورَه، وهو إيحاءٌ مقصودٌ بأن المرأةَ هي خيرُ مَن ينقُل عنها ما بداخلها.
لماذا الجُبْنُ؟!
الجُبْنُ جمعُ أجبان، وعكسُ الشجاعة، وكثيراً ما نرى النساءَ تبيع الجُبْنَ وسط الرجال الباعَة، بِرُوحِ المرأة الشجاعة، يا لَهُ مِن تصويرٍِ بديع!
الأقصوصات في حد ذاتها هُنا مجموعةٌ من السيرة الذاتية بِزِيِّ سيدةٍ تبيعُ الجُبْنَ وتشتري الشجاعة بثمنٍ بَخْسٍ دقائق معدودة، هي أقربُ إلى الشِّعْر النثري، وخصوصاً تلك التي لا تتجاوز نصفَ الصفحة، مثلَ أقصوصة (سُفُنٍ بِلا مَاء)، و(جَارَةُ الغَرَام)، بل إن (سَيِّدَةَ الجُبْن) فتاةَ الغلاف، لم تتجاوزِ الصفحةَ الواحدة.
(الكبيرةُ): قصةٌ جامعةٌ بين الكبيرةِ مفردِ كبائر، ومفردِ كبيرات.
ماذا في الأمر؟
نحن أمام مواجَهةٍ شرسةٍ بين كبيرة من كبيرات التفكير وكبيرة من كبائر التكفير، والقارئ هو الحَكَم بِعَدْل، والله وحدَه هو الحَكَم العَدْل.
ماذا بعد؟
لم أتمكن من الخروج برؤيةٍ تجعلني أمام قصةٍ ببدايةٍ وحكايةٍ ونهاية، بل أمام سجعٍ، وتحليقٍ، وقافيةٍ نثريةٍ إذا صح التعبير.
إن (فتاة الجبن) هذه تبدو لنا كأنها ملكةُ الجُبن، تُغْدِق مَن حولَها بالملكوت الجمالي الأخَّاذ، لولا صوتُ انفجارِ الانسكار الذي كَسَر أحدَ القلوب في الأعماق.
هل (بائعةُ الجبن) هي نفسُها سيدتُه؟
بالطبع نعم!
رغم أنها قصةٌ واقعية على الأرض غير محلقة في السماء، (فَلُقْمَةُ العيش تزرع الجُبن والخوف في أعمالق آكلها) أو كما قالت تلك التي ترجو منال الأخرس مِن فَمِ المتكلم الأبكم، إذ كيف لنا أن نثق في الجُبن المستورد من مجتمع جَبان، ولا نثق في الجُبن النابع من قلبِ شجاعٍ لا يخاف أحداً إلا نفسه؟!
الربط بين المظاهرات التي تسعى إلى حياة أفضل وبين تلك الفتيات الباحثات عن حياة أفضل أيضاً، يجعل المرء في حَيرة من أمره، هل يتظاهر، أم يتظاهر بأنه لم يتظاهر؟!
لم السفينُ؟ ما دام الماء لا ماء؟ (ظِلّ راجل ولا ظِلّ حِيْطة) كما قالت أمثالُ قدمائنا البُرَآء، التجديفُ عكسَ التيار حُمقٌ أسود، فما بالك إذا كان بلا سفينة؟!
(جارةُ الغرام): جميلٌ أن تُغْرَم المرأةُ بمثلها في حدود الأُكسجين الذي يملأ الرئتين فقط، دون أن تَغْرَم مَغْرَماً واحداً، وما الكَروان إلا مالئاً لنقصِ الصوتِ الجميلِ الغائب عن الأُذن والعين معاً.
(احتلالُ امرأة): عنوانُ أقصوصة لامرأةٍ اسمُها: منال، ذكَّرتني بقصيدة بعنوان (المرأةِ المستعمِرة) لامرأةٍ أيضاً اسمُها في أنوثتها!
ماذا دَهَى النساء يا ترى؟
امرأة تهدد بالاحتلال تحت عباءة التمرُّد!
وأخرى في أبياتِ قصيدةٍ تُعلن اعترافَها بدولة الاستعمار تحت راية المرأة المستعمرة!
وكأن الحقوق الأنثويةَ لا تؤخَذُ إلا غِلاباً.
(سِحرُ الحُب): شيءٌ لا يُقاوَم، وخصوصاً حينما يأتي مِن ساحرةٍ ماهرةٍ في مِهنة الحُب، فالسحر مِن الكبائر، أما الحُب فهو من أكبر الكبائر في عالَم المُحِبِّين!
وجميلٌ أن نبدأ بالقصة القصيرة (الكبيرة)، وننتهي بكبيرة من الكبائر وهو (السحر)، حينما يكون على هيئةِ حُب ليغدوَ (نقمةً يُدْخِلُنا عالَمَ الآثامِ والشيطان)، أما إذا غدا الحُبُّ أكبرَ مِن الحُب, وأبعدَ مِن الحُب، فإنه يكون من السحر الحلال، بل ينقلب بقدرة قادرٍ مِن سِحرٍ يُسْحِرُ أعينَ الناس إلى معجزةٍ ربَّانية.
ما أجملَ الكتابَ مهما كان مضمونُه حينما ينتهي بآيةٍ من كتاب الله عز وجل.