د. محمد صابر عرب يكتب: ضريبة الغلمان في التاريخ العثماني

د. محمد صابر عرب يكتب: ضريبة الغلمان في التاريخ العثماني

د. محمد صابر عرب يكتب: ضريبة الغلمان في التاريخ العثماني

التعليقات على د. محمد صابر عرب يكتب: ضريبة الغلمان في التاريخ العثماني مغلقة

نشر فى 3:04 م
يتباهى الأتراك بأن لهم تاريخا عريقا ، فقد فتحوا بلادا كبيرة وانضوى تحت نفوذ إمبراطوريتهم شعوبا وحضارات ، عبر ثلاث قارات رغم أن كثيرا من المؤرخين لم يسأل : هل خدم العثمانيون بإمبراطوريتهم المترامية الحضارة الإنسانية ؟ هل خلفوا وراءهم تراثا علميا وانسانيا ؟ هل كانوا نموذجا عادلا وإنسانيا في إدارتهم لهذه البلاد الشاسعة ؟
لعل صفحة واحدة من هذا التاريخ ستظل عبئا على هذه العراقة التي يتباهى بها الأتراك من قبيل ما كان يعرف باسم ضريبة الغلمان ، وهي الضريبة التي كانت تفرضها الإدارة العثمانية على العائلات المسيحية في البلاد التي فتحوها مثل صربيا وبلغاريا وألبانيا والمجر وغيرها ، عندما كانوا ينتزعون ولدا واحدا من كل أسرة مسيحية ، حيث كانت الإدارة العثمانية تبعث بوكلاء لها إلي تلك البلاد ، ويفرضون على قساوسة القرى والمدن تقديم قوائم باسماء الأطفال الذكور الذين تم تعمديهم كل عام .
غالبا ما كانت أعمارهم ما بين الثامنة والعاشرة ، ومنذ أن يٌنتزع هؤلاء الأطفال من ذويهم تنقطع صلتهم بعائلاتهم ، وغالبا ما كان هؤلاء الوكلاء يتجاوزون حدود مهامهم ، فقد كانوا يلقون القبض على عدد من البنات الجميلات لبيعهن في أسواق النخاسة ، ويجنون من وراء ذلك أموالا هائلة يخصص بعضها كرشاوى لكبار المسئولين العثمانيين .
في العاصمة العثمانية ( استنبول ) يتم ختان هؤلاء الأطفال دلالة على دخولهم الإسلام ، ثم يلتحقون بالمدارس السلطانية ، بعدها يقسمون إلي مجموعات ثلاث بعضهم يعمل في القصور السلطانية ، والمجموعة الثانية يشغلون الوظائف المدنية ، والمجموعة الثالثة وهي الأكبر من حيث العدد تنخرط في سلك الجندية ويطلق عليهم الإنكشارية ، وكانوا يمنعون من الزواج حيث يقضون حياتهم دون أمل !
غالبا ما كان جمع هؤلاء الأطفال يتم كل عام في موسم الصيف ، ويعفى من هذه الضريبة كل أب يستطيع أن يشتري حرية ابنه بمبلغ من المال يتفاوت قلة وكثرة وفقا لدرجة ثراء الأب أو وفقا لجشع الجباة العثمانيين ! ولم يكن الإعفاء من ضريبة الغلمان بديلا عن ضريبة أخرى تسمى ضريبة الرأس ، والتي كانت تفرض على غير المسلمين بحجة حمايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية .
كانت ضريبة الغلمان تمثل جرحا غائرا في قلوب الآباء الذين كانوا يشاهدون أبناءهم وهم يٌنتزعون من أحضانهم والدموع تزرف من عيونهم على فلذات أكبادهم دون رحمة أو هوادة .
أعتقد أن هذه الجريمة لا يمكن أن تسقط بالتقادم ، رغم أن القوانين الدولية المعاصرة لم تستطع النيل من الجباة ، لكن التاريخ سيظل قاسيا على هذه العملية التي افتقدت كل عناصر الرحمة والإنسانية ، فهي الجريمة الأكثر بشاعة في التاريخ حينما كان يروج لها باسم الإسلام!
إنها الضريبة التي تعد أبشع أنواع الضرائب حينما يٌنتزع من الإنسان أعز ما يملك وهي حريته ، إنها جزية اللحم الإنساني يفرضها المنتصرون على قوم شاء حظهم أن تلقى بلادهم هزيمة عسكرية على يد العثمانيين !
إذا كان الأوروبيون ما يزالون يشعرون بغصة شديدة من جراء هذه الجرائم وغيرها من جرائم أخرى كثيرة ، إلا أننا كعرب مازلنا أيضا نشعر بنفس الغصة لأسباب كثيرة ، حينما فرض علينا العثمانيون وخلال ما يزيد عن أربعة قرون حالة من العزلة والانكسار مما كان سببا في تخلفنا عن ركب الحضارة الإنسانية الحديثة !
السؤال الذي يمكن أن نطرحه : إذا كانت بعض الدول الأوروبية ماتزال تلاحق تركيا الحديثة بغرض دفع تعويضات عن هذه الجرائم التاريخية وغيرها من جرائم الإبادة الجماعية ، فلماذا لا يلجأ العرب إلي المطالبة بحقوقهم من الأتراك الجدد ، الذين يتفاخرون كل يوم بأمجاد أجدادهم الذين ، الذين عاملوا العرب بأبشع أنواع المعاملة ابتداء من نظام الالتزام الذي جٌرد فيه الناس من كل حقوقهم ، مرورا بالعزلة التي فرضت علينا بكل قسوة ، وانتهاء بانتزاع العلماء والعمال والفنيين المهرة ، حينما سيقوا إلي عاصمة الدولة العثمانية لكي يشيدون حضارة لأمة لم يكن لها نصيب يذكر في الحضارة الإنسانية !
اللافت للنظر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوجان سبق له أن ناشد الجامعة العربية منذ أربع سنوات في تصريح شهير له مطالبا تدخلها من خلال وزارات التعليم في البلاد العربية بهدف تعديل الصورة السلبية في المناهج الدراسية عن الدولة العثمانية ، وهي دعوة تثير السخرية .
أليست القضية في مجملها جديرة بالاهتمام بعكس ما يطالب به أردوجان ؟ بل هي في أشد الحاجة إلي التأكيد على هذه الصورة السلبية التي كانت سببا رئيسيا في تأخر العرب عن ركب الحضارة الإنسانية الحديثة !

https://www.facebook.com/noses1989/ العطر فى أنقى صورة.. أفضل ثبات وفوحان ..noses عـطور أونلاين ستغير فكرتك عن تركيب العطور.. تستحق التجربة
Related Posts

فقرات فنية لفريق “وى كان” لذوى الاحتياجات الخاصة بمعرض كتاب الأسكندرية

التعليقات على فقرات فنية لفريق “وى كان” لذوى الاحتياجات الخاصة بمعرض كتاب الأسكندرية مغلقة

هالة فهمى تكتب: نحن والصدفة.. ومركب بلا صياد “فى الهناجر”

التعليقات على هالة فهمى تكتب: نحن والصدفة.. ومركب بلا صياد “فى الهناجر” مغلقة

مفتي الجمهورية يدين العملية الإرهابية بالواحات البحرية

التعليقات على مفتي الجمهورية يدين العملية الإرهابية بالواحات البحرية مغلقة

مطالب بتوثيق سرابيط الخادم .. والمسروقات خارج إحصاء الأثار

التعليقات على مطالب بتوثيق سرابيط الخادم .. والمسروقات خارج إحصاء الأثار مغلقة

بالفيديو : الأدباتى فى كواليس الانتهاء من الديكور المبتكر لمسرحية مسافر ليل

التعليقات على بالفيديو : الأدباتى فى كواليس الانتهاء من الديكور المبتكر لمسرحية مسافر ليل مغلقة

محمد حجيرى يكتب: الانتخابات النيابية.. غياب الثقافة وتشريع الحشيشة

التعليقات على محمد حجيرى يكتب: الانتخابات النيابية.. غياب الثقافة وتشريع الحشيشة مغلقة

التنسيق الحضاري يطور شارع الشريفين والبورصة إلى شارع الفنون

التعليقات على التنسيق الحضاري يطور شارع الشريفين والبورصة إلى شارع الفنون مغلقة

النمنم فى افتتاح معرض الكتاب والأسبوع التونسى:علاقات مصر وتونس الثقافية تاريخية

التعليقات على النمنم فى افتتاح معرض الكتاب والأسبوع التونسى:علاقات مصر وتونس الثقافية تاريخية مغلقة

دورة لإدارة التراث وتسويقة فى بيت السنارى

التعليقات على دورة لإدارة التراث وتسويقة فى بيت السنارى مغلقة

لقطات داخل الإطار العام لمعرض “أفريقيا فى عيون الفنانين”

التعليقات على لقطات داخل الإطار العام لمعرض “أفريقيا فى عيون الفنانين” مغلقة

رباب كساب تكتب عن الكاتب أحمد خالد توفيق: ويبقي الحب شاهدا

التعليقات على رباب كساب تكتب عن الكاتب أحمد خالد توفيق: ويبقي الحب شاهدا مغلقة

الليلة..حفل توقيع الزميل كرم من الله السيد لروايته “قلم مكسور” بنقابة الصحفيين

التعليقات على الليلة..حفل توقيع الزميل كرم من الله السيد لروايته “قلم مكسور” بنقابة الصحفيين مغلقة

Create Account



Log In Your Account