أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
رسالة (1) : لماذا نكتب عن سعد الخادم الآن؟.
أستاذى سعد الخادم ..
أريد أن أكتب إليك كلامًا لا يشبه الكلام, وأريد ان أحكى حكايات عن الشوق معك , وأتذكر خرائط الضوء والحلم معك . فثمة أجمل الذكريات يستعصى نسيانها فى حضرتك .. أيها الطيف الجميل الذى يأتى إلينا فى لحظات الأزمة .. هذا ابنك الصغير العنيد يبحث فيك عن زمانه , ويتحدث عن حلمك البعيد فى الفن والحياة .. فافتح له خزانتك أعلم أن صورتك مع الأيام صارت طيفاً ولكن شيء إنسانى ما سيبقى بيننا عابراً للزمن .. أنت الذى قلت لنا إذا ضاقت الدنيا عليك فخذ همومك يا بنى فى يديك واذهب إلى من تحب .. وفى هذا الجو الماطر بالحزن والضباب , وفى ظل هذه الثقافة الغربية المركزية التى تنتج لنا السيطرة المسلحة والتيارات الجمالية, جنباً إلى جنب كأشكال جديدة من الاستعمار الخفى للعقول. ها أنا قادم إليك لأكتب لك وابحث عنك فى الذكريات منتظر الصبح وضوء النهار يشرق على هذا البلد . أستاذى بعد مرور هذه السنين الطويلة يصعب علينا الحديث عنك بصيغة الماضى , بصيغة الغياب . فذاكرة الموت بالنسبة لك أسمها الحياة. يقول الشاعر اليمنى الكبير.. عبدالله البردونى : ونظل نموت لكي تحيا .. وتموت لكي تحيا أكثر.
البـــــداية .. سعد الخادم .. الإنســان .. بين الحــلم والضــوء.
من هو ســـعد الخـــادم ؟.
يا أيها الرفاق .. أحتاج إلى المدد لوصف هذا الرجل الموسوعة الحية التى كانت تمشى بيننا على قدمين .. فهو المربى الجليل .. رائد الفنون الشعبية فى الوطن العربى .. الكاتب والمفكر الطليعى فى الستينيات من القرن العشرين .. الأكاديمى صاحب المدرسة العلمية فى تأصيل التراث فى السبعينيات والثمانينيات .. الأرستقراطى إبن الذوات .. الشعبى البسيط المناصر لفنون الناس الغلابة والمهمشين على أطراف الحياة .. الفنان التشكيلى الكبير .. أسمه الرباعى كاملاً : سعد سعد سعد الخادم ، ولد في 22 مارس عام 1913م، وتوفي في 17 سبتمبر عام 1987م.
ومع فكرة الموت والغياب الدائم للإنسان نحن متطلعين إلى الأمل وبقدر الحزن على رحيلك كان هذا الفقد يا أستاذى دافعاً لنا للبحث فيما تركته لنا من آمال سعيت إليها وحفرت نحوها مسارات من الحلم والضوء فى ذاكرة الوطن .. وأعتقد أن الكتابة عن هذا المربى هى مواجهة شفافة مع النفس , تزرع بداخلنا مساحات من الشجن الملون. وأصعب أنواع المواجهه مع الذات أن تتناول الجانب الإنسانى لحياة شخص كان ضميراً حياً لوجدان الناس فى هذا الوطن.
س .. لماذا سنكتب عن سعد الخادم من هذا المنظور الإنساني والمعرفى؟
(1): نكتب عن سعد الخادم : لأننا في لحظات التيه وفقدان الذات نبحث عن علامات مضيئة في تاريخنا المعاصر، ونحلم بالهوية الوطنية. وكان سعد الخادم واحداً من هؤلاء الرواد. دشن مشروعاً تنويرياً في النهضة لتسجيل وتأويل الموروث الشعبي التشكيلى العربى. فما أحوجنا إليه الآن في ظل الاستسلام لتيار العولمة الجارف الذي يسعي إلي الهيمنة علي الوعي عبر استعمار الإدراك والجماليات وصنع التصورات المتحيزة له في هذا الوطن العربي.
(2): نكتب عن سعد الخادم : لأنه كان شاهداً علي العصر، راكماً تراثاً نوعياً جديداً في مجال الفنون الشعبية، وأرسي منهج ورؤية في عملية التفاعل مع الآخر فيما بات يعرف بدراسات الفنون ما بعد “الكلونيالية” ، فشيد جسراً بين الشرق والغرب في توازن، ودون استلاب للآخر. وكان موته خسارة حقيقية لحقل الدراسات العليا فى الفنون ، حيث تباطيء مشروعه في النهضة، وتوقف الاجتهاد إلي درجة السكون بعد أن ضل العديد منا الرؤية والطريق نحو الهدف بعد هذا الزيغ الذى أكتنف مفهوم التربية عن طريق الفن.
(3): نكتب عن سعد الخادم : من أجل تفكيك رؤية هذا المعلم العظيم، الذي تحول إلي أسطورة غامضة، نحن في حاجة إلي كشف الظلال عنها، وذلك من منظور تحليلي إنساني نقدي .. يتوخي الموضوعية في الرصد. ولعل أحد أهم عناصر القوة في هذه الرؤية، أنها تقدم بيلوجرافيا دقيقة عن العديد من أعماله ،ومن ثم يمكن تقديمه كنموذج إلي جيل جديد من شباب الباحثين، الكثير منهم يجهل من هو سعد الخادم.
(4): نكتب عن سعد الخادم : ليس لكي نتصالح مع النفس، ونرد جزءاً من الجميل لهذا المعلم بقدر التحريض علي إعادة قراءة أعمال هذا الرجل والتواصل معها مرة أخري وبخاصة أننا في حاجة إلي تشييد ذاكرة جديدة ومنصفة لهوية حية متحركة، ترتبط بالجذور وتواكب التقدم. تلك الإشكالية الدائرية التي نطوف حولها منذ بداية القرن العشرين، وما نزال غير قادرين علي الإنعتاق من سلطانها إلى الآن.
س .. كيف نستحضر روح هذا الإنسان كلمة بعد كلمة، ونستدعيه إلي هذا العالم هو وإشكالياته مرة أخري؟
بمشيئة الله .. سنكتب عن سعد الخادم بعض الإضاءات وبعض الأحلام كمحطات إنسانية بسيطة نتوقف عندها في تاريخ هذا الرجل. كالمرايا الكاشفة، القادرة علي تسجيل الجانب المعرفى والوجدانى في حياته . من خلال مجموعة من المشاهدات والذكريات المنعكسة في مرايا النفس عنه. التى تقشع الضباب وتزيل الظلمة عن هذا الرجل، وتمنحنا الأمل القادم فى المستقبل.
الكتابة بالكلمات شهادة .. فلكي تشهد لابد وأن تتكلم .. وأن تتكلم يعني أن تخرج من نفسك صوب الآخر الغائب. وهكذا .. ثمة تزاوج بين الضيف والمضيف. ولذلك فعند الكتابة سوف تجدني “أنا رضا” في قلب بعض المشاهد والأحداث. أحياناً أكتب عبارات انطباعية محملة بالشجن وبالعاطفة تجاه هذا الرجل ، وهو أمر طبيعي. فنحن لا نكتب بحثاً كلاسيكياً ، ولكننا نكتب مرثية إنسانية ورؤية كاشفة فى رسائل عن عقل ووجدان سعد الخادم.
وفى النهاية ..يجب القول أن ذاكرتي لعبت دوراً أساسياً في تسجيل الكثير من الحكايات والمواقف التي كان سعد الخادم يرويها لنا، باعتبارها روافد لهذه الرؤية الإنسانية التي سنرويها عن هذا الرجل. وعليه .. فأنا وحدي المسئول عما أتذكره ، وأتصوره .. وباعتباري واحداً من رواة سيرة سعد الخادم .. أشهد الله بأن ما أكتبه هو الحق وهو الصدق.
تحياتى .. وإلى لقاء فى الرسالة الثانية.
ملحوظة .. الصورة المنشورة مع المقال لوحة للفنانة الكبيرةعفت ناجى زوجة الأستاذ سعد الخادم.