دراسة نقدية لحسن غريب: الرصد المشهدي لمجموعة (زبيدة) القصصية للأديبة رولا حسينات

دراسة نقدية لحسن غريب: الرصد المشهدي لمجموعة (زبيدة) القصصية للأديبة رولا حسينات

دراسة نقدية لحسن غريب: الرصد المشهدي لمجموعة (زبيدة) القصصية للأديبة رولا حسينات

التعليقات على دراسة نقدية لحسن غريب: الرصد المشهدي لمجموعة (زبيدة) القصصية للأديبة رولا حسينات مغلقة


إن قصص (زبيدة) للكاتبة والمبدعة الأردنية رولا حسينات (تهدد وتتوعد) القارئ بالشعر , فمن خلال قراءتي للقصص أكتشفت أن للعنوان دلالة خفية لا تبدو إلا بعد الاطلاع على محتوى الكتاب فالقص عند كاتبتنا ليس سردا والسلام إنما هو عبارة عن وجه والخلف أو القفا هو وجه آخر فبعد قراءة القصة تتوقف وتقول :”آه هناك حكاية أخرى تطل من بين السطور فللمشهد ظله والظل يروي رواية قد تكون مخالفة للظاهر” وهذا ما يذهب إليه الشعر ‘ فالقصيدة البليغة هي التي تمتد بظلالها خارج معناها المكتوب على الورقة فتخلق أبعادا وايحاءات وتؤدي إلى سبل شتى.
إذن كاتبتنا المذهلة رولا حسينات مالت في قصصها إلى الشعر وبالتالي سلكت سبيلا شاقا يتلخص في الصعب الممتع ‘ لأن السهل الممتنع لا يقود إلى الشعرية عكس ما روجنا له طيلة عقود.
فالشعر لا يأتي بالسهل أبدا ‘ وتقرأ عناوين من المجموعة القصصية التي وردتني ( زبيدة) ( غرباء في البحر) ( غياب ) ( قطار الثامنة) ( لعنة البحر) الخ…..
ومنذ العنوان تجد رغبة فادحة في قراءة القصة تنفتح شهوتك وتتهيأ وترى أنك امتلكت أجنحة تستطيع بها التحليق فتدخل أو تطير إلى فضاء القصص فتسرح كل شيء على أشعر ما يرام إنك في بستان علوي مزدحم بالضوء ‘ حتى إذا أنهيت القراءة شعرت بأنك مازلت تريد المزيد وأن الكاتبة رولا حسينات شوقتك وذوقتك قليلا فتعيد القراءة رغبة منك في الارتواء المستحيل .
إن المبدعة رولا حسينات تعمدت مع سبق الاصرار والترصد وباضمار بليغ أن تكتب قصصها بشاعرية ‘ أو تكتب قصائدها مستعينة بالسرد وأن تغري القارئ بأنثوية متسلطة تسلط ما تعسل من كلمات والمعاني داخل أسلوبها الأنثوي البالغ.
هذا هو عالم رولا حسينات القصصي ‘ وربما لأنها مبدعة أديبة شاملة ومارست القراءة بكثافة وتعرف من أين تدغدغ القارئ فقد أبدعت قصصا مثمرة ومثيرة .
إن مجموعة ( زبيدة ) هي قصص تحتفي وتدلل القارئ فيشعر وهو يقرأ أنه مدلل ونوع الدلال ثراء ورقي لغتها الرصينة والمهبطة والموجعة أحيانا .
«هل نسمي أدب المرأة بأدب نسائي أم أدبا مؤنثا؟ فالمرأة العربية تكتب أدبا قد يكون جيدا متقدما وقد يكون متخلفا ولكن هذا لا يناقش، لأن حركة النقد في بلادنا العربية لا تزال قاصرة وبعيدة عن فهم وتقسيم الأدب الجيد الذي تكتبه المرأة»(1).
قد يصعب مشاركة المؤلف كتاباته من القراءة الأولى. ولهذا وجب أن تكون هناك قراءة ثانية وثالثة، حلا للاشكاليات التي قد تواجهنا في فهم ما يبغيه المؤلف من نتاجه. خاصة إذا كان الكاتب يعالج قضايا إنسانية بحتة. تتعلق بالمصير في ظل صور متعددة مركزة أشبه ما تكون في حقيقتها كشفا لأسرارنا. فنجد أنفسنا منغمسين ومشاركين في تجربة المؤلف التي تتراءى لنا مثل نبع ماء صغير نتتبع تدفقه بهدوء وبطء، فنراه يشقّ الأرض ويفيض ليتحول إلى نهر جار، ينقلنا عبر حلم يقظة نعيشه لحظة القراءة، إلى عالم واسع مليء بمتاهات ومشاريع وحقائق فنتمنى أن لا ينتهي الكتاب.
في مجموعتها القصصية (زبيدة) تضعنا المبدعة رولا حسينات أمام عتبة دلالية يمكن الانطلاق منها إلى عالمها القصصي المتفرد والمكون من خمس قصص قد انتقيتها انموذجا بين يدي من عدة قصص أخرى مررت عليها .
وتكمن هذه العتبة في تحديد نقطة البداية «وهي اختيارها ضربا من الكتابة فيها مغامرة ورحلة إلى قيعان النفس البشرية، تنطلق فيها من ذاتها لتتجاوزها إلى ضمير الإنسان عامة وهمومه وأوجاعه »(2) وهذه ميزة المبدع المتمرس. فقد استطاعت رولا وبالتقاطاتها الدقيقة للواقع اليومي أن تلج داخل نفوسنا وتحرك مشاعرنا لترغمنا على المشاركة الفعلية، فنرى أنفسنا نتألم أن صادفنا مشهد مؤلم، ونفرح أن غمرت السعادة أحد الشخوص، وقد نذوق المرارة ولوعة الترقب، ننصت لهمس أرواح الكلمات وكأننا أمام طقس مقدس. حياة مليئة بالالم والمصاعب، نقلتها إلينا رولا أو نقلتنا إليها. فترانا نودع مسراتنا وأحزاننا وبطواعية لحكايات البحر / الغياب والصحراء ، نتعاطف، ننهار، نبكي، في أجواء ومعاناة مكلّلة برؤى فلسفية اجتماعية، هي استكمال لقاموس الإنسان العربي وما يعانيه يوميا من سطوة وقهر وبطش ، «أراهم على أن كتابات الإنسان العربي سيلتقي حتما، مهما اختلفت مساراته في محور واحد وهو معاناة الإنسان المثقف في المجتمع اللا مثقف»(3). وقد نجحت المبدعة رولا حسينات في إيصال رؤيتها كاملة ، الذي يعتبر لاي كاتب أشبه بالسيرة الذاتية، يستطيع توظيفها بالشكل الذي يريد وحسب أسلوبه في الطرح، من خلال التدرج في المستوى الحكائي لرؤيته، ويمكن القول بشأن المحاولة إنها تثبيت تكرار ذاتي لتجربة فنية عميقة التجربة في الكتابة.
الكاتبة رولا تروي كل شيء، وتثير الاهتمام، كأنما ليس هناك متسع لها في مجاميع مقبلة، لا أقول… يجب تطبيق نظرية جبل الجليد للروائي ارنست همنغوي حرفيا، حين شبّه القصة القصيرة بجبل جليد عائم وسط البحر، لا يظهر منه سوى قمته، حيث يختفي أكثر من ثلثيه تحت الماء، بل من المستحسن على القاص ان يستفيد بصورة ما من الاختصار والتكثيف والصقل، مما يزيد من عنصري القوة والبناء في المتن الحكائي وكذلك إبراز سمات خاصة للاسلوب. وإن من الأهمية تجنب لعب دور الكاتب العليم الذي يتحدث بلسان بعض الشخصيات وخاصة الرئيسة. فالمرأة في كثير من الأحيان عند رولا تصبح حمّالة لأفكار الكاتبة، فنحس بالتعاطف والدفاع والتفكير… وكأننا أمام محامية او داعية حقوقية من أجل نصرة المرأة , وإبراز دورها في المجتمع، والمطالبة بحقوقها، فجاءت القصص أنثوية أحيانا ، فنرى «امرأة واحدة تتبادل الحضور في كل القصص. امرأة اسمها زبيدة كنبات بري… يختزن التجربة» (4). وهي بهذا تولي اهتماما كبيرا وربما مبالغا فيه بنساء القصص «وإذا كانت أغلب شخصيات رولا مثقفة تتكلم بعربية فصيحة فإن الشخصيات الأخرى الامية تتكلم بدورها لغة فصيحة أو قريبة من الفصحى» (5). انحياز عاطفي وفني من خلال رسم الشخصية وطريقة تفكيرها وتحركاتها داخل اطار القص، حتى لو كانت هذه الشخصية ثانوية ولا تظهر إلا في مقطع قصير، مثل زبيدة ابنة بائع النحاسيات في قرطبة في قصة (زبيدة) التي شاركتها الحزن حين جعلتها (حمدونة ابنة زرياب ) تتعلم وتتدرب على فن العزف والغناء ( كان تعارفهما في حلقات عزف العود التي كانت تقام في المدنيات في قرطبة، حيث تعلمهن حمدونة ابنة زرياب فن الغناء والعزف… وحمدونة كانت من أبرع من أتقن الغناء والعزف على العود، فجعلت بنات قرطبة يقصدنها…) .
. وكذلك في قصة (قطار الثامنةوالنصف) فاللغة المستخدمة شعت حرارة وتدفقا إنسانيا كبيرا اغرق القصة بشحنة من العاطفة والمداراة غطت الشخصيتين المريضتين (الشاب المريض ) و (عم فتحي سائق القطار) وأضفت مسحة من الحزن عليهما. أما الشخصيات الرئيسة فكان لها حصة الأسد، ( شاب مثلي بهذه المواصفات في الوجه، وغيرها الكثير أخفيه تحت ثيابي الرثة…ربما استطعت ستره ولكني لم استطع احتمال آلامه؛ الكبد الطحال والمرارة تهيج بجوقة واحدة تدعكني ولا تتركني…مما جعلني أفيق على كابوس اسمه الموت، يلاحقني مع كل إغماضة عين، ولم يكن أمام مسكين مثلي أثقلته الحياة بفواتيرها إلا أن أبقى منصتا للأحياء، أعيش معهم وأعجن بمعجنهم…عم فتح الله سائق القطار، أعادني لنفسي …
قال لي: سترى الحياة، لا تضع نفسك في قارورة ليكتشفك أحد، فربما مت قبل ذلك… ).
، دون الشعور بأن هذا (الشاب ) هو بشر وله أحاسيس ومشاعر وحقوق وعمق في الحياة، ورؤية غنية لا يستغنى عنها في المعادل الحياتي. فنقرأ في قصة (الغياب): «ونفس طاهر تحلق في سماء فاطمة وقد فاض غيمها بالصدقات والحب، لم تصل أيٍّ منها إلى صيوان أسماعهم، بل انزلقت قبل أن تغترف منه شيئاً، لم يكن أمام الحاضرين سوى أن تتململ أجسادهم المشوية من الشمس الضاربة أسافينها فوق رؤوسهم، والنساء من بعيد يرقبن تلك الجنازة المهيبة التي أوغرت في نفوسهن حقداً دفيناً لتلك التي أغاظهنَّ حبُّ الحاج طاهر لها في حياتها، تمنت كل واحدة منهن في نفسها أن تكون لها جنازة مهيبة وقلب زوج يسجنها فيه.
وبقيت نظراتهن ترقب كل صغيرة وكبيرة، وهن يزممن الشفاه، ويمددنها مع انتفاضة من الذراعين، وتقليب للكفين. الكحل الذي لم يتقاطر مع دموعهن الحبيسة ظل يوقظ الحجر ». نلاحظ أن المرأة (الغياب عن الزمن والحياة ثم الموت الفعلي لفاطمة) أسعد حظا وأكثر جرأة وقدرة على الانجاز، حين نقارنها بالمعلمة في قصة (غرباء في بحر الموت ) بالرغم من أن عبدالوهاب يشم رائحة الروث النتنة ، فهو في ألم مستديم وحيرة تطاردها بين استحالة هروب الارهابين وافلاتهم من الجيش المصري في سيناء وسقطوهم قتلى بعد ذلك، فنقرأ: « ولأول مرةٍ يبتعد كل هذه الكيلومترات التي قطعها بالسيارة، ثم راكبًا ثم ماشيًا ثم عابرًا الأنفاق
المرصوفة بالحجارة السوداء، الأوتار الطويلة أو التي كان يظنها طويلة، هي التي كان يسيرها على الأقدام في الغيطان والمزارع. قبيلةٌ من الهزائم التي تسكنه والتي تنبت فيه روائح كريهة، ثرثرته ومبالغته في وصف نفسه، بأنّه الأفضل، المغامرات، المقامرات التي قام بها، ومنها كان فراره، هواجسٌ قدمها الحاج عبد الوهاب لبسيوني على طبقٍ من ذهب… تلك المطاردة التي قام بها الجيش المصري في سيناء، ولكنهم لم يستطيعوا القبض عليه، بل وسقط الكثير من أولئك الجند قتلًا بالرصاص، لم تغب هذه الحادثة عن باله، ويحلف بالله بأنَّ رائحة الروث مازالت عالقةً بجسده يشتمها كلما سكنت الريح. ثرثرة عبد الوهاب لا تعنيه، حتى حقيقة أولئك الجنود، الذين قتلتهم رصاصات المهربين التي يتمت أُسرًا يعولها هذا الجندي أو ذاك أو أيتامًا يعيلهم بعد وفاة أبويين… ». وفي قصة (لعنة البحر ) نقرأ فكرة سانتياغوعن المشهد اليومي الذي يراه لكنه يكتشف كل مرة شيئا جديدا , وهنا تأتي المبدعة رولا بحزم تنقذ البطل من مأزقه اليومي في عرض البحر ، حيث تقوم بمساندته وتشجيعه على مواصلة الحلم وتحقيق الرغبة في الوصول الى الحرية المبتغاة فنقرأ: « المشهد اليومي الذي لم يصب سانتياغو بالملل، بل يرى فيه كل مرة شيئا جديدا ودرسا لم يدركه من قبل…وهو ما يجعله يبقي ناظره معلقا فيه، وهو يرقب امتلاء شبكته الملقاة في عرض البحر وحيدا بقاربه الذي تغمزه الشمس قبيل الفجر على استحياء، وهي يمني نفسه لو أنه يجمع ذلك المال الذهبي الذي تلقيه إليه وحده في عرض البحر، وتبقى النسور الصغيرة والمنحدر الصخري الذي تملأه الشجيرات الخضراء المقزمة هي ما تشعره بأن هناك من يشاركه أمنيته في جمع هذا الذهب…وقد بدت بيوتا ملائمة لتلك النسور في بناء أعشاشها ووضع بيوضها، وهي تتأمل الأسماك تلهو في امتداد صفحة البحر الملاصقة للسماء في أكثر المساحات المائية هدوءا من البحر الكاريبي…». أما في قصة (غرباء في بحر الموت) فنقرأ((يرقب كل ما حوله، ويرقبه آخر دون أن يدري طيلة الطريق يقلب هذا المتطفل الذي سيحشر أنفه في كعكته. هل سيكون ذراعه اليمين؟
ما يريده أن يكون كلمح البصر في إتمام صفقته المعتادة، خمسون سلاحًا رشاشًا وذخيرةً، عددًا من القنابل، رأس الحربة اسم كبير على هذا الغرِّ، وهو برأيه أحمق و فارغ العقل، لا يدري لِم خيل إليه ذلك؟!، ربما من وصف خيرية له، وهي تتمايل كأفعى تتراقص من السلال. الشيخ فوزي ملك الصحراء، وبوصلتها الرملية، لا يحب الوجوه الجديدة، لا يحب اللعب في مصلحة العمل، لِم لا يكون مخبرا أو مندسا؟…
أيٍّ كان هو لا يرتاح له، الشيخ فوزي أيضًا رغم أنه ملك الصحراء وإخطبوط السلاح، لا يعتبر نفسه تاجرًا، ولا يهوى إثارة الفوضى حوله، بل يريد أن يعيش بسلامٍ فوق صفقات السلاح… هو بنظره ليس تاجرًا، وليس مسلحًا، إنّما موردٌ للأسلحة، بالتأكيد هناك محركٌ له خارج اللعبة أكبر منه، وهناك أذرعٌ كثيرةٌ تدعمه ويهمها وجوده وبقاؤه حتى يأتوا بآخر ليحرقوا ورقته…
مع امرأة تتمايل كأفعى تتراقص من السلال ومعرفة وعلم الشيخ فوزي ببواطن الأمور وبوصلته للصحراء والقصة تسرد معاناة الذين يعيشون في الصحراء القاحلة ومرارة الحياة أيا كانت بها مناصبهم ومرتباتهم القيادية سواء شيخ أو قائد عسكري ففي كل الأحوال فهو في سجن كبير أيا كانت بها من ملذات الحياة « كانوا واقفين وكأن على رؤوسهم الطير، يمدون أعناقهم إلى الأفق الموصد أمامهم، لم يعرفوا من الرائحة المكتومة رائحة النهار، ورائحة الليل كلاهما اختلاطا معا، ولم تعلق في تلك الشعرات النابزة من أنوفهم. – أتجاوزت الشمس كبد السماء؟
الوقت قد قارب من الغروب وقرص الشمس بأعينهم مازال في كبد السماء، ورائحة العرق تعبق أنوفهم، صمتهم كان كفيلًا بأن يمنحهم متسعًا من الوقت، لتحمل وقتًا إضافيًا من ساعات الوقوف متلاصقين، سيقانهم التي تتمدد فيها العروق الرقيقة » ويستمر المونولوج بمستوى فكري واحد، كما في القصص الاخرى، غايته إظهار قدره التحمل الى أن تنطفئ حياتهم في الصحراء بعد صراع اتسعت مساحته « وفي هذا القبر الأسمنتي قتلة تتلاصق ظهورهم مع المقاتلين…تحوم علامات الاستفهام في رأسه بين القاتل والمقاتل، كلاهما يحمل سلاحا، وكلاهما يسرق الأرواح، والأبرياء يقتلون بعينيه الضيقتين ». وفي قصة (غياب) حيث مراسيم العزاء التي أتمها الشيخ محمد والشيخ طاهر لا يلوي شئ وهو يتفتق حزنا : « كان وقت الزوال الذي أتمّ فيه الشيخ محمد مراسيم الجنازة والحاج طاهر لا يلوي على شيء، لم يكن ليستطيع إبقاء الفلاحين ينتظرون تحت وهج هذا اليوم الصيفي الحار وقد دفنت فاطمة وانتهى الأمر… الحزن الذي يخيم على قلبه لم يكن بسبب رحيل فاطمة الطيبة، ولكن بسبب الحاج طاهر الذي يتفتق حزناً على حاله رغم حسد الكثيرين الذين لم يذرفوا دمعة على امرأة » والتدخل واضح من قبل القاصة في بناء الشخصية والكلام نيابة عنها، وهي بهذا تُلبس شخصياتها أزياء حسب بيئتهم وتنسب اليهم أسماء وتقدم لهم اعمارا ثابتة، لكنها تنسى ان تحدد درجة وعيهم بما يناسب مستواهم الفكري والعمري والبيئي. وفي قصة (لعنة البحر ) يوحي لنا العنوان بالمأساة الموضوعة المطروحة، فلم تترك لنا رولا ولو نافذة واحدة للاضاءة او لتنفس هواء قد يترك نهاية مفتوحة للنص. فالقصة محاصرة منذ سطورها الاولى كأنها حلم الوسواس يصعب تحقيقه، حيث انتشار وسط الجبال والتلال الطرق الضيقة وسط بحر هائج الذي لا ينبت فيه غير الألم والقهر وحرق الاعصاب، فالحوار لدى رولا «يكتسب صفة البوح المأساوي، حيث ينبع من الرغبة المحبطة»(6). للقاصة الراوي الشخصيات الحياة المحيطة المليئة بالبؤس والخوف والفقر).. وتنتشر فوق الجبال والتلال البعيدة في الشق الثاني من الطريق الضيق المعبد أشجار الصفاف. وتبقى بيوتهم من القش بالفقراء العالقين فيها، تصحو منذ ساعات الفجر الأولى لتجلب المؤن ومتطلبات الحياة ممن حولها من الشواطئ البعيدة التي تفصلها عنهم أسيجة حديدية ذات أشواك عريضة.
». القصة تعتمد على جدلية الحضور الغياب، المتمثل بشقاء الرجل (سانتياغو) وفي قصة المجموعة وعنوانها الرئيس (زبيدة) نقرأ الأسئلة ذاتها واستمرارية البحث عن أجوبة لها، وتأتي نهاية القصة معلقة، دون الوصول الى حل لاشكالية الفتاة الجميلة التي تعلق بها الكثيرون ، التي قضت أحلى سنين عمرها بين عملها في الغناء والعزف بقرطبة وقلب الحسن ابن الوزير الذي تعلق بزبيدة هو سطوة الرجل الاب السلطة الاجتماعية العليا العقدة لدى رولا « لم تكن الآذان ما شرعت وحسب بل قلب الحسن ابن الوزير، تاجر العطور الشهير في قرطبة رغم صغر سنه، لتلك الفتاة الرائعة الجمال، حتى أدرك أنه متيم بها، مفتون بعالم اسمه زبيدة، انتظارها كان واحدا من سننه، دقات قلبه تدق مع خطواتها الرقيقة، ويخيم بعينيه فوق كرسيها كما تلك الشجرة العتيقة التي تحتضن الطيور وفراخها…
»،
إن المبدعة رولا حسينات لم تترك للشخصية حريتها في انسيابية الحدث، ففرض الوصايا بدا واضحا في أكثر من مقطع مما وسم القصة بترك النهاية للتملقي .
الخاتمة
من الملاحظ ان المبدعة رولا حسينات انتهجت طريق الرصد، للعلاقات الاجتماعية المتوترة أو المشوهة بين الرجل والمرأة. بحكم القضايا المطروحة، عبر نماذج شعبية هي الاقرب الى ذهن المبدعة رولا حسينات. اذ استطاعت ان تتكلم عنهم او يتكلمون عنها، عبر صوت موحد ألقى بظلاله على كل ما وقع تحت نظر الكاتبة، من عادات وتقاليد المجتمع الغنية بالشواهد الاعمق اثارة والتي تميزت بها القصة الواقعية. فجاءت القصص ذات طابع حيوي قريب لاهث ذو أفكار واسعة جدا، اقتربت من البساطة برغم الأحداث الممتلئة بالكثير من التفاصيل والمعتمدة في أغلب الأحيان على الذاكرة أو التاريخ أو أحلام اليقظة « ويلتقيها بين الأشجار وتحت بريق متسلل من قرص قد احمر خجلا…
لم لا يمتطي معها جواد الأحلام ويحلقان إلى ما فوق السحب؟ إلى روحانية الكون الرحب…
وجنونه فيها لم يجعله يستطيع الابتعاد عنها…
حبها في قلبه اشتعل ولن يستطيع مهما حاول إطفائه… ليس ذنبه أن يحب فتاة من البسطاء! ليس عيبا أن يحب الغني فقيرة…
لن يجادل في فقه مرّ عليه دهور، وعُدَّت قصصه ضربا من الفشل، سيدنو منها ويركع عند قدميها، لن يعيبه الركوع …
أليس العاشق أسير من يعشق؟
فليكن الحب آسره…
فليسجن وراء تلال سبع…
ولتُسجر بحار من وراءها بحار…
ولتدك الأرض…
ولينبذ بعيدا…
وليترك معه زجاجة من ريح الحبيب…
» (7). إن ما تناولته القاصة في مجموعتها بلغتها الشاعرة عالية المستوى وعمقها اللغوي الرصين والمتين ينسجم والطموحات المبتغاة والرغبات المرجوة المخبأة داخل الأمنيات. لذلك نرى أن ما كتبته هو مرآة ما بداخلها من هموم وأسئلة شائكة نقلتها على ألسن شخصيات القصص . أو بالأحرى ان الكاتبة وجدت مسوّغا لايصال أفكارها وبطريقة مبسطة الى ذهن أبسط قارئ.

https://www.facebook.com/noses1989/ العطر فى أنقى صورة.. أفضل ثبات وفوحان ..noses عـطور أونلاين ستغير فكرتك عن تركيب العطور.. تستحق التجربة
Related Posts

طارق الصاوي خلف يكتب: ومضة على القصة الومضة

التعليقات على طارق الصاوي خلف يكتب: ومضة على القصة الومضة مغلقة

وزير الثقافة فى نعيها للفنان محمد صبرى: علامة بارزة وأعماله جزء من كنوز الإبداع

التعليقات على وزير الثقافة فى نعيها للفنان محمد صبرى: علامة بارزة وأعماله جزء من كنوز الإبداع مغلقة

د. رضا شحاته يكتب الرسالة(٧): هل كان سعد الخادم البرجوازى .. شيوعياً .. في الثلاثينيات من القرن العشرين؟

التعليقات على د. رضا شحاته يكتب الرسالة(٧): هل كان سعد الخادم البرجوازى .. شيوعياً .. في الثلاثينيات من القرن العشرين؟ مغلقة

محمد عطية محمود يكتب: نجيب محفوظ.. بين الفلسفة والتصوف .. “دراسة”

التعليقات على محمد عطية محمود يكتب: نجيب محفوظ.. بين الفلسفة والتصوف .. “دراسة” مغلقة

فؤاد طمان يطوي أشرعة الشعر عن عمر ناهز 77 عاما

التعليقات على فؤاد طمان يطوي أشرعة الشعر عن عمر ناهز 77 عاما مغلقة

الثلاثاء.. المجلس الأعلى للثقافة يشهد على وفاء الطلاب لاستاذهم فى عطاء بلا حدود

التعليقات على الثلاثاء.. المجلس الأعلى للثقافة يشهد على وفاء الطلاب لاستاذهم فى عطاء بلا حدود مغلقة

الشاعر والناقد اليمني عبدالعزيز الهاشمي يكتب: حول المجموعة القصصية (سيدة الجبن) لمنال الأخرس

التعليقات على الشاعر والناقد اليمني عبدالعزيز الهاشمي يكتب: حول المجموعة القصصية (سيدة الجبن) لمنال الأخرس مغلقة

حسن غريب يكتب: إحساسات جمالية ولغة شفافة في ديوان (مكتوب بماء الورد) للشاعرة د: عزة بدر

التعليقات على حسن غريب يكتب: إحساسات جمالية ولغة شفافة في ديوان (مكتوب بماء الورد) للشاعرة د: عزة بدر مغلقة

الدكتور رضا شحاته يكتب: عشرة رسائل إنسانية عن الرائد سعد الخادم(١)

التعليقات على الدكتور رضا شحاته يكتب: عشرة رسائل إنسانية عن الرائد سعد الخادم(١) مغلقة

بالفيديو.. مفهوم الرواية الجديدة فى الوعي النقدي العربي للدكتور محمود الضبع

التعليقات على بالفيديو.. مفهوم الرواية الجديدة فى الوعي النقدي العربي للدكتور محمود الضبع مغلقة

تأبين الروائي الراحل صبري موسى بقاعة كاتب وكتاب شهدت قاعة كاتب وكتاب

التعليقات على تأبين الروائي الراحل صبري موسى بقاعة كاتب وكتاب شهدت قاعة كاتب وكتاب مغلقة

حسن غريب يكتب: “الرقص على طبول مصرية”نبوءة فؤاد حجازي بالإرهاب وعظمة الجيش في دحره

التعليقات على حسن غريب يكتب: “الرقص على طبول مصرية”نبوءة فؤاد حجازي بالإرهاب وعظمة الجيش في دحره مغلقة

Create Account



Log In Your Account