أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
لم أنتبه في البداية..وعندما وصلت إلى مصدر الضجيج؛ كان أحدهم قد أغلق النافذة الوحيدة التى يدخل منها الضوء.. أسمع صوت تثبيت الأسياخ الحديدية من الخارج بينما تتكسر بضعة أظافر أثناء محاولتى المستميتة الفاشلة لإعادة فتحها.. لن أبحث عن باب الخروج؛ فلا يليق بمثلى مغادرة قصر توارثته العائلة، أدور فى الغرف المتسعة الخالية للقصر المهيب.. رويدا رويدا تذوب شمعتى التى عثرت عليها بصعوبة بالغة.. يرشدني مع ارتعاشات الشمعة الذابلة بصيص ضوء يتسلل من بين الألواح المصمتة التى تغطى من الداخل فرجات الشيش لنوافذ الغرف، أستطيع أن ارى بتدقيق النطر عبر فرجة منها أنها مغطاة من الخارج أيضا بقضبان حديدية.
الصمت والظلمة ومشاعر الخوف من المجهول ونهش الظنون يثقلون خطواتى، اعتصر أحدهم رحيق حياة الغرف الفاخرة .. أبحث عن الأهل ورائحة الطعام الطازج وصخب ومرح الأبناء!وكأن كل شيء كان خيالا!
صوت خشخشة يدفعنى بشىء من التوجس إلى رفع واحدة من ملاءات الأسرة.. شهقت رعبا؛ عيونهم الفزعة وأنفاسهم المتهدجة ألقتنى فى غياهب صدمة عقدت لسانى، رفعوا جميعا سباباتهم عند افواههم المطبقة فى حركة تدعونى إلى الصمت حتى لا يفتضح سرهم! القصر المهيب الأخرس به عشرات الأسرة يتراص تحتها الجميع، لم أستطع أن أحصي أعداد المختبئين الذين يرفعون سباباتهم متوسلين، أرفع رأسي وأمضى صامتة مقهورة بعدم الفهم بعد إسدال الملاءات من جديد.. يصلني همس أحدهم:
– الوحش..
لا أصدقه.. أدور مصرة على محاولاتى الفاشلة لإعادة فتح النوافذ..أؤمن أن النور يطمس الخوف، أسمع دبيب أقدام ثقيلة وزمجرة وحش وأصواتا تؤكد أن خلفه قطيعا.
أطفىء شمعتى بفزع، وأضعها بين ثيابي قابضة على عود ثقاب وحيد بينما أرفع وأنا أركض بجنون ملاءات الأسرة بحثا عن مكان للاختباء.