أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
يشر صديقي الفنان الكبير الأستاذ أحمد حساني منذ فترة قصيرة بعض الصور لشخوص ظلية من خيال الظل المصري التي عرفت باسم “مجموعة بول كالة” وليسمح الأستاذ أحمد حساني بأن أكمل ما بدأه.
هذه المجموعة الرائعة تحديداً كانت محل رسالتي للدكتوراه في عام 1999. وهي بعنوان “السمات الفنية لتصميمات خيال الظل وتطبيقاتها في الطباعة بالشاشة الحريرية”. حيث ترجع أهمية هذه الأشكال الظلية التمثيلية، بجانب قيمتها الفنية والتقنية العالية، إلي أنها تملك الإفصاح عن دلالتها، لأن معايير التفسير الدلالي لمعني الشكل التمثيلي لا تزال ماثلة في السياق التعبيري الأدبي المصاحب لعرض الأشكال الظلية. ومن ثم.. الوقوف علي الكيفية التي ينتج بها الشكل التمثيلي دلالته المتوافقة معه، باعتبار الدلالة تلعب دوراً مهماً في تحديد شكل وبنية التصميم التمثيلي. كما أن الشكل التمثيلي كمفردة تشكيلية يعمل علي مستويين دلاليين: فهو في حد ذاته له دلالته الخاصة، وفي مستوي آخر يشترك في آن واحد مع الأجزاء أو الأشكال الأخري، فيتولد معني كلي للعمل الفني في إطار وحدته العضوية.
إن الفنان الحرفي وهو ينتج الشكل الظلي، كان يعي تماماً أنه يتولد معتمداً علي ما للضوء والظل من آثار، حيث يتحول الشكل فيها إلي نظام إيقاعي مضيء “موجب” وسط أرضيات معتمة “سالبة” تؤكد هوية الشكل وتحدده بعناية، أي أن الأشكال الظلية هي أشكال سالبة للهيئة المطلوب رؤيتها كتوترات ضوئية علي السطح.
والحقيقة أنه يمكن رصد السمات الفنية للتصميمات الظلية بمصر عامة، ورؤيتها من خلال معرفة المفاهيم التشكيلية التاريخية التي أنتجتها بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية، تلك المفاهيم التي صاغت النموذج الجمالي المعبر عن روح الثقافة العربية، والتي امتدت لتصبح نظرية جمالية في الطبيعة “المكان والزمان”، وكان لها انعكاساتها داخل الثقافة العربية الإسلامية، وعلي المعالجات الفنية والتقنية المتنوعة والمميزة لهذه الأشكال. والتي من أهمها:
أ ـ الاتجاه إلي تجريد الأشكال التمثيلية في الجمالية العربية،وهندستها لتكشف أبعاد ونظم بنيتها الشكلية وهيكلها الحي، ثم يقوم الفنان العربي بتحميل هذه البنية بأنظمة إيقاعية لتتابع أجزاء التصميم لتشكل هذه الهياكل في مجملها، القيمة النوعية المعادلة لدلالته التعبيرية.
ب ـ الاتجاه إلي تجزئة مساحات التصميم إلي أجزاء صغيرة منفصلة متباينة، والمحافظة علي هذه الأجزاء في الوقت الذي يتعين فيه وجود “الكل” القوي للشكل، وفقاً لنظام ووحدة بناءه الأساسي.
ولدراسة السمات الفنية للمجموعة الظلية لبول كالة، ينبغي النظر إليها في إطار الفهم الواسع للمفاهيم الفلسفية التي شكلت سماتها الفنية شديدة الخصوصية، ومنها:
1ـ الوحدانية وتأثيرها علي مفهوم المكان والفراغ في الجمالية العربية.
2ـ تجريد الأشكال التمثيلية في الرؤية الفنية الإسلامية.
3ـ التناسب العددي بين الأجزاء في الطبيعة كمنهج للإبداع الفني في الجمالية العربية بمصر.
4ـ الرؤية الكلية في الفلسفة الإسلامية وتأثيرها علي التعدد المنظوري للشكل التمثيلي.
المجموعة الظلية لبول كالة..
وصف بول كالة شخوص خيال الظل التي عثر عليها في مصر، ونشر رسومها في تقرير من جزأين تحت عنوان “شخوص لعب خيال الظل الإسلامي في مصر” في خمس وثلاثين صفحة عام 1910، والثاني في اثنين وخمسين صفحة عام 1911 بدورية الإسلام الصادرة في لندن..
لقد اكتشفت في بلدة صغيرة اسمها “المنزلة” تقع بين “دمياط” و “بور سعيد” شخصيات في روايات خيال الظل علي درجة كبيرة من الأهمية، وتحتوي علي أسلوب راق، وتعد من أحسن الأمثلة في الفن المملوكي. وتزين بعض تلك الشخصيات بشعار النبلاء الخاص بالأمير “جندار” حارس السراي، الذي عاش في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي، أو الثامن الهجري. وهي تعد من أقدم الشخصيات في روايات خيال الظل التي لها وجود قائم في عالم اليوم، إذ لا نجد في بلاد الصين ولا في جزر جاوة من جزائر الهند الشرقية، حيث نعلم بوجود خيال الظل في عهد قديم إلي يومنا الحاضر.. أقول لا نجد شخصيات يمكن مقارنتها في القدم بتلك الشخصيات المذكورة.
وإليكم بعض نماذج من هذه المجموعة القيمة التي تقدم حلول تشكيلية للشكل التمثيلي غاية في الجمال، يمكن أن تكون مصدراً للاستلهام والتجريب لصياغة أشكال تمثيلية جديدة ومعاصرة ذات هوية واضحة.