أخبار-ثقافة -فكر دينى – فنون – أثار
نقلا عن الأهرام العربي:
المحبة بداية سحرية لطريق طويل منتهاه صولجان العشق، سواء كانت تلك المحبة للمخلوق أم الخالق سبحانه؛ لكن تلزم للوصول إلى عتبات عطرها الأخاذ رياضات روحية شاقة، فالمحبة يلازمها دوام النظر للمحبوب والانشغال به، والأنس والائتناس به والدفء فى كنفه والراحة.. إلا أن كل ذلك يحكمه العقل إلا قليلًا؟
أما العشق فلا سيطرة للعقل على فعال صاحبه، وأوله مجانبة المخلوقات، فلا شغل للعاشق إلا الانشغال بمعشوقه، أما إذا اشتدت سطوة العشق بالنفس اضطرب القلب وتاه العقل وخرج عن سيطرة صاحبه عليه، وما عاد يبالى أيقول عنه الناس خيرًا أم شرًا، وسواء لديه سخروا من أفعاله أم وقروه وعذروه، فهو مأخوذ بمعشوقه غائب عنهم سابح فى ملكوت عشقه .
وهؤلاء فى طريق التصوف هم الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.. كما وصفهم الحق فى سورة النور؛ والخلوة عندهم لا تعنى العزلة الدائمة عن جميع الخلائق، بهمة الإقبال على المحبوب وإدراك حالة الأنس والترقى حتى يصلوا إلى مقام معلوم من العشق . . فالمحب العاشق وإن كان يتعامل مع الخلائق إلا أنه فى طريق التصوف يتعامل مع المحبوب الأعلى فيهم لأنهم صنعته، ويصدق معه سبحانه من خلالهم، وهم يظنون أنه يصدقهم هم، فالناس فى هذى الحال أشبه بأسلاك الكهرباء ليست هى المقصودة لذاتها، وإنما هى الوسيلة التى تحمل النور دون أن تدرك سر ما تحمله .
وينبهنا صاحب كتاب “المواقف والمخاطبات” محمد بن عبد الجبار النَّفِّرى، لسباق المحبة الإلهية حتى لا تلهينا عنها الشوارد، وذلك فى “مخاطبة الوقفة” يقول: أوقفنى فى الوقفة وقال لى: إن لم تظفر بى أليس يظفر بك سواى.. وقال لى من وقف بى ألبسته الزينة، فلم ير لشيء زينة “.
أما فى أمر عشق البشر للبشر، إذا اشتد بالعاشق سطوة المعشوق تاه وهام، وما عاد يصلح لشيء إلا لمعشوقه، وهام معشوقه به.. وإمام العاشقين فى ذلك الحال قيس بن الملوح الشهير بمجنون ليلى، الذى كان يصرخ لتوحده فى معشوقه “أنا ليلى وليلى أنا” وكذا ليلى التى ما صلحت لغير قيس برغم تزويجها بغيره .
أما فى جانب العشق الإلهى فالأمر يختلف، فلا يجوز إطلاق صفة العاشق على الله سبحانه، ومما عجبت له ما ورد فى كتابٍ رائد فى كتب التصوف اسمه “عطف الألف المألوف على اللام المعطوف” لمؤلفه أبى الحسن على بن محـمد الديلمى، عاش فى القرن الرابع الهجرى تربى فى مدرسة ابن خفيف الشيرازى المتوفى فى 371هـ، وقد أدهشنى قول الديلمى ــ عفا الله عنه ومن أجاز ذلك ــ بجواز أن يتعاشق العبد والرب، وقد استشهد بأحاديث منسوبة لرسول الله، وأغلب الظن أن الشيخ الديلمى يعرف خطورة ما يقول، فقد تدثر بعدة أسماء لروادٍ فى طريق التصوف منهم بايزيد البسطامى والحلاج، والجنيد الذى كان يتحرى أصول الشريعة.
والمؤكد عندنا أن لفظ العشق لا يليق إلا بمخلوق، فالتنزيه لله سبحانه يوجب نفى تلك الحال، فالعشق لا يكون إلا بين متجانسين